تخفي إدارة أزمة فيروس "كورونا" خلف ستار المقاطعة في رام الله صراعات كبيرة، تدور بين 3 شخصيات حاكمة: رئيس حكومة رام الله محمد اشتية، ومدير مخابرات السلطة ماجد فرج، ووزير الشؤون المدنية حسين الشيخ.
إذ إن صعود اشتية للواجهة في إدارة الأزمة، ورفض تنفيذ إجراءات بتعليمات الرجلَيْن، وفق تسريبات عدة طفت على السطح أخيرًا، جعلا "فرج" و"الشيخ" يتجهان لتقليم أظافره ووقف صعوده الذي بات -وفق رأي مراقبين- يهدد مطامعهما بـ"الوارثة"، وتأليب رئيس السلطة محمود عباس عليه، بعدما نجحا في تمديد الطوارئ شهرًا بدلًا من 3 أشهر كان يريدها "اشتية".
لم تكن التسريبات وحدها التي تحدثت عن الخلاف، إذ ظهر واضحًا في تشرين الأول (أكتوبر) الماضي، في قضية أزمة "العجول" التي تسببت بخلافات داخل السلطة، بعدما قرر "اشتية" وقف استيرادها، لكن "الشيخ" و"فرج" عملا على إلغاء القرار بحجة أن ذلك يضر "بالأمن القومي"، قبل أن يعلن رئيس حكومة رام الله نفسه في شباط (فبراير) الماضي انتهاء الأزمة بعدما تراجعت سلطات الاحتلال عن إجراءاتها في الاستيراد.
ويقول المستشرق الإسرائيلي "إيهود يعاري" في تقريره على موقع القناة 12 العبرية، وترجمته "عربي21": "إن عباس الذي يقضي أيام كورونا في العزل الصحي يبدي شكوكًا واضحة تجاه اشتية، الذي يعد رجلًا اقتصاديًّا مهنيًّا، وعمل في السابق بمواقع تقنية مهمة، لكنه يفتقر لمراكز القوى داخل حركة فتح، أو المجموعات المسلحة داخل التنظيم".
وهذا بخلاف اللواء "ماجد فرج" الذي يتحكم بـ30 ألف مسلح، وحسين الشيخ الذي يسعى مع وزير المالية الإسرائيلي موشيه كحلون لتوفير مساعدة عاجلة تقدر بثلاثة مليارات شيكل، والاثنان عملا بجانب "اشتية" لمواجهة الوباء، فـ"الشيخ" سعى لجلب 120 مليون شيكل من (إسرائيل)، و"فرج" أرسل قواته لفرض الإغلاق على مدن الضفة الغربية، وفق حديث "يعاري".
ويختم بالقول، في تقريره الذي يحمل تأليبًا بين سطوره على اشتية: "إن لم يُلق عباس باشتية جانبًا، فمن الجدير بالإسرائيليين أن يذكروا اسمه جيدًا في قادم الأيام".
مراكز القوى والنفوذ
ويقول مدير أمن جهاز مخابرات السلطة بالضفة الغربية سابقًا، فهمي شبانة: "إن المسيطر على الضفة الغربية هي الأجهزة الأمنية التي يقودها "فرج" و"الشيخ"، وآخرون يعملون بالخفاء ولا يظهرون على الشاشة".
ويضيف شبانة لصحيفة "فلسطين": "إن أسهم "اشتية" بدأت ترتفع بالضفة الغربية، وهذا لم يرق "فرج" و"الشيخ"، في إطار صراع على مراكز القوى والنفوذ"، مبينًا أن كل قيادي له مصالح وتحالفات، وكل شخص يسعى لأن يتصدر المشهد، لكن إزاحة "اشتية" ليست أمرًا هينًا لكونه أثبت نجاحه، وفق تقديره.
القيادي في حركة فتح (التيار الإصلاحي)، عماد محسن، يقول من جانبه: "إن هناك مراكز قوى في فتح تتحصن إما بشرعية وجودها باللجنة المركزية أو بقيادتها لأجهزة أمنية وبحكم علاقتها بالاحتلال الإسرائيلي واتصالاتها مع الإدارة الأمريكية، فكل منهم يتحصن بموقعه ولا يتحصن بقواعد حركة فتح".
ويبين محسن لصحيفة "فلسطين" أن الانقسامات في حركة فتح تتمحور حول من يرث "شبه الحكم" في المقاطعة، لافتًا إلى أن رئيس حكومة رام الله السابق، رامي الحمد لله، أزيح بقرار من مراكز القوى، ومن غير المستبعد -إذا نجح "اشتية" في إدارة أزمة كورونا- أن يلقى ما لقيه سلفه.
ويتابع: "لا معلومات محددة لدينا تتعلق بمحتوى الخلافات الحالية، لكن هناك خلافات عاصفة بين قيادات فتح على خلفية وراثة عباس".
ويستدرك قائلًا: "ما زلنا نعول على أن تعود فتح الموحدة لمبادئها الأساسية، وأن تستعيد عافيتها والنهوض تحت عنوان مقاومة الاحتلال، وأن تنتهي الخلافات والانقسامات الداخلية فيها بفعل الديكتاتورية والتفرد بالقرار وقمع المعارضين".
أزمة عاصفة
ويعتقد الكاتب المحلل السياسي، عمر عساف، أن الصراع على السلطة لا يتوقف، لأن أساسها خلافات شخصية على الوراثة.
ويقول عساف لـ"فلسطين": "إن أزمة كورونا عاصفة، ويبدو أن رئيس حكومة رام الله أخذ دورًا مرضيًا عنه شعبيًّا، في حين تشعر بعض القيادات بالسلطة أنه تجاوز دوره، ومن هنا يبدأ العمل على تقليم أظافره".
ويلفت إلى أنه منذ ثلاثة أشهر يطفو على السطح أن من يتبوأ المسرح 3 أشخاص، وهم: ماجد فرج وحسين الشيخ والرئيس عباس، وكلا الرجلين الأولين يستندان إلى الأمن المتغول في الضفة الغربية، فضلًا عن الدعم الإقليمي الذي يساعد في حسم الصراع تجاه هذا الموقف أو ذاك، معتقدًا أن هذه الصراعات تغذيها أطراف إقليمية ودولية.
ودلالة ذلك -برأي عساف- أن أسس الصراعات شخصية تنعكس سلبًا بإضعاف الحالة الفلسطينية، التي هي أحوج إلى الوحدة وتضافر الجهود.