تقلع عربات القطار محملة بأطنان المعلومات الفاسدة، والبيانات المفبركة، والأخبار المصطنعة، لتقف عند أول محطة للترويج، وقد بدأ "دلال العرض" التسويق لبضاعته البالية التي يزينها للناظرين من المارة، فمنهم من يلتقط دون أن يفاصل، ومنهم من ينتقي، وآخرون لم يلقوا بالًا، حتى انفض المولد وصعد الرجل للقطار مرة ثانية ليكمل إلى محطة أخرى.
وهكذا دواليك ما إن يصل حتى يبدأ الترويج، فمثله كمثل من ينثر بذور الشوك في الأرض الخصبة فيدمي المارة، ولا ينجو إلا من يحاذر، هكذا هؤلاء ينشطون في ساحات الفوضى، وظروف الأزمة، حتى في الحالات المستقرة، ليصبوا الزيت على النار، ويفقؤوا عين الحقيقة، ويعطلوا مرور خيوط الشمس كي لا تنير فتكشف خفافيش العدوى، التي تتناقل سرديات مثقلة بالأكاذيب.
فلديهم إستراتيجية قائمة على تطويق ومحاصرة الرأي العام، بضخ أكبر قدر ممكن من المواد الفاسدة، التي تنتشر على سطح المواقع، وتبرق باللون الساطع في وجه الجمهور، لتختطف ناظريهم، وتحاصر وعيهم، وتطوقه نحو أهدافها المسمومة، الرامية إلى تسميم الأجواء السياسية، والاجتماعية، والاقتصادية، والأمنية، وغيرها.
في أكبر عملية "قرصنة للوعي" بعيدًا عن أي أهداف نبيلة، فهي تمارس حلولًا غير مشروعة، وهي تزاحم الحقائق لتنافسها على الصدارة، وتقود المشهد بعناية إلى مصير مجهول يذهب بالمجتمع إلى طريق الحافة، إنها حافة الهاوية، هكذا هي هذه الأدوات مع تنوعها في الطريقة والأسلوب: شركات للدعاية والإعلام، أو مراكز استطلاع، أو مؤسسات بحثية، أو جيوشًا إلكترونية أو ما عرف بـ"الذباب الإلكتروني".
وقد أعدت وجهزت لهذا الغرض، مستهدفة النيل من الفرد، والمؤسسة، والأحزاب السياسية، في محاولة لتحطيم جدار التحصين، والدخول إلى مكنونات وخصوصيات هذه الجهات، لاغتيالها معنويًّا، وتصفيتها أمام الجمهور، وتجريدها من الفضيلة، وتحميلها ما لا تطيق من الآثام، وإشغالها في تطبيب جراحها، وقد خلخلت ثقة الجمهور بها، وأحدثت جدلًا وهرجًا ومرجًا تضيق منه النفوس.
لتخرج أمام المسرح لتقديم البدائل للجمهور مع برامج الإنقاذ، ونصائح ساذجة، تسوق عبرها (أرجوزات) للمتلقي، مدعية أنهم يشكلون بديلًا مناسبًا، وطوقًا للنجاة من الهلاك والموت المحتم، فكيف للزيف والخطيئة وأدوات الشيطان أن تصبح نبلًا بل نصلًا يقدم العلاج الشافي؟!
بعد أن استنفرت جنودها من لصوص المعلومة، ومرتزقة القلم، وأصحاب منصات الهوى، وبائعي العروض المشبوهة، وأصحاب السرديات الخلاعية.
فأسماؤهم مستعارة، ومصادرهم مجهولة، وأساليبهم مكشوفة، حتى أهدافهم الهدامة تخبر عن حالها، وهي تسير عرجاء أمام الجمهور، وقد فقدت سيقان الحقيقة، وانفضت عذريتها، فلا يمكن أن تعود للوراء، فقد صقلت وأعدت لهذا الغرض، لذلك أغدقت ومولت بسخاء لتعطي بسخاء.
هذه الطفيليات المستأسدة، والفطريات الملتهبة لن تتآكل، ولن تنقرض إلا برشها مرارًا وتكرارًا بالمطهرات، وإزالتها بأوراق الحقيقة، وإن كانت مستعصية فبجراحة عاجلة، وإن لزم الأمر فبالكي حتى ينجو الجميع.