المكان: الأرضُ المُقدسة- دير ياسين، الزمان: عام 1948م- العاشر من إبريل، ثلةٌ من المفسدين في الأرض قتلة الأنبياء والمرسلين، عصابات “شيترن” و“أرغون” و“هاجانا” الصهيونية اقتحموا القرية الآمنة في الساعة الثانية فجرًا، شرعوا في قتلِ كل من وقع في مرمى أسلحتهم، وهذه عادتهم، كلما دخلوا أرضًا أفسدوها؛ ولم يكتفوا بذلك بل ألقوا بالقنابل إلى داخل منازل القرية لتدميرها على من فيها، كانت الأوامر الصادرة من كبار رجال العصابات تقضي بتدمير القرية بكل من فيها..
وبالتزامن مع إلقاء المتفجرات سار خلف رجال المتفجرات عصابات “أرغون” و“شيترن” فقتلوا كل من بقي حيًّا داخل المنازل المدمرة، استمرت تلك المجزرة حتى ساعات الظهر، وقبل الانسحاب من القرية جمعت العصابات الصهيونية كل من بقي حيًّا في القرية من العرب فأعدموا أمام الجدران بالرصاص؛ وقيل إن عدد القتلى الذي أحصته طواقم الإنقاذ كان 360 شهيدًا، معظمهم من الشيوخ والنساء والأطفال.
الجماعتان الصهيونيتان الإرهابيتان اللتان نفذتا المذبحة حملت رئيسيها إلى سدة رئاسة الوزراء في الدولة الصهيونية، فبيغن زعيم "أرغون" انتخب رئيسًا للوزراء (1977-1983م)، وإسحق شامير زعيم عصابة "شتيرن" انتخب رئيسًا للوزراء (1983-1992م) بتقطع.
الغدر هو صفة أصيلة في العقلية الصهيونية، فقد نفذت الجماعتان المجزرة بهدف إخراج أهل دير ياسين منها للاستيلاء عليها، وقد جاء تنفيذها بعد أسبوعين من توقيع معاهدة سلام طلبها رؤساء المستوطنات اليهودية المجاورة ووافق عليها أهالي قرية دير ياسين.
لقد كانت مذبحة دير ياسين عاملًا مهمًّا في الهجرة الفلسطينية إلى مناطق أُخرى من فلسطين والبلدان العربية المجاورة، لما سببته من حالة ذعر وفوضى عند المدنيين، ولعلها كانت المفصل الذي حسم الحرب العربية-الإسرائيلية في عام 1948م لمصلحة إقامة "الدولة العبرية" وتشريد الشعب الفلسطيني.
ولا يمكن تبرئة سلطات الانتداب البريطاني من المجزرة؛ فقد وقعت المذبحة على مرأى ومسمع من قوات الانتداب البريطاني، فمدير مكتب الشرطة البريطانية في المدينة لم يكن يبعد سوى كيلومترات عن البلدة، وحين طلب منه السكان التحرك قال إن هذا ليس من شأنه، وفق روايات تاريخية متعددة.
أما موقف العرب المتخاذل كالعادة، فلم يتدخلوا، فحسب وصف مندوب الصليب الأحمر “وحدات تابعة لجيش “الإنقاذ العربي” التابع لجامعة الدول العربية، كانت على بعد دقائق من المذبحة، لكنها رفضت التدخل”، يُروى أنَّ فتاة استطاعت أن تنقذ نفسها من المذبحة في الساعات الأولى، واستنهضت ضمائر تلك الوحدات وهي تخبرهم عمّا يحدث فقال لها الأول: "لم تصلنا أوامر"، وقال آخر: "أمرنا بالرحيل من المنطقة ولا نستطيع فعل شيء".
لقد عانى الشعب العربي الفلسطيني منذ إقامة دولة الاحتلال ألوانًا شتى من الكوارث التي أنزلتها به الصهيونية والإمبريالية والرجعية العربية، ودير ياسين لم تكن الأولى ولا الأخيرة، فهناك الكثير الكثير، أسماء لا تعد ولا تحصى، ولكنها نقاط واضحة في ذاكرة كل فلسطيني، ويكفينا كي لا ننسى، أن نذكر دير ياسين، قبية، وكفر قاسم، ومدرسة بحر البقر، وخان يونس، ورفح، وعمان، والليطاني، وعين الحلوة، وصور، وصيدا، وبيروت، وغيرها المئات من القرى الفلسطينية التي هدمت بيوتها على رؤوس أهاليها، والمجرم واحد، هذا المجرم الذي ما زالت أفكاره الدموية تسيطر على قادة (إسرائيل) في تعاملهم مع الشعب الفلسطيني وحقوقه.
سنوات كثيرة مرت على مجزرة دير ياسين وما زال المجرمون يحاولون إقناع انفسهم والعالم بطهارة أيديهم وسلاحهم، ويا للأسف العالم لا يأخذ موقفًا ضدهم، بل وصل الحال بالمجتمع الدولي إلى إدانة شعبنا الفلسطيني ومقاومته لهذه العصابات الصهيونية التي تمارس إجرامها إلى اليوم، وما زال الشعب الفلسطيني يدفع الثمن، فهل ننسى؟!