فلسطين أون لاين

"التنمر".. معاناة أخرى تواجه المتعافين من "كورونا"

...
غزة- نور الدين صالح

لم تقتصر معاناة الأشخاص الذين أصيبوا بفيروس "كورونا" أو خضعوا للحجر الصحي، على هذا الحد، بل تمتد بعد شفائهم وخروجهم من حجر 21 يومًا، إذ تتغيّر نظرة المجتمع إليهم ويتعامل معهم بحذر شديد.

وقد يقع هؤلاء الأشخاص ضحية لما يُسمى التنمر من المواطنين أو عبر مواقع التواصل الاجتماعي، إذ يوصمون بصفات سلبية مثل أنهم "أشخاص موبوءون" وغير ذلك من الألفاظ، ما يؤثر سلبًا على الحالة النفسية لهؤلاء المصابين أو المحجورين.

تجدر الإشارة إلى أن وزارتي الصحة والداخلية أخرجتا مئات المواطنين، أمس، وأول من أمس، من الحجر الصحي، منهم 79 من الطواقم الطبية والشرطية والخدمات المساندة، بعد إتمام مدة حجرهم، وإجراء الفحوصات المخبرية لهم والتحقق من سلامتهم.

وأعلنت وزارة الصحة ارتفاع حالات المتعافين من فيروس "كورونا" إلى ست حالات من أصل 12 حالة.

وإزاء ما سبق يبقى السؤال الراهن: كيف يُمكن الحد من ظاهرة التنمر على هؤلاء الذين أُفرج عنهم من الحجر، رغم تأكيد وزارة الصحة أن جميع أوضاع الحالات المتبقية مطمئنة ومستقرة.

ويُعرف التنمر أنه شكل من أشكال الإساءة والإيذاء موجه من فرد أو مجموعة، ويتخذ أشكالًا مختلفة لفظية أو جسدية أو إيماءات، وفق إفادة اختصاصية نفسية في المركز الفلسطيني للديمقراطية وحل النزاعات سمر قويدر.

وأوضحت قويدر لصحيفة "فلسطين" أن التنمر على الأشخاص المصابين بفيروس "كورونا" أصبح ظاهرة في كل المجتمعات، ومنها قطاع غزة.

وذكرت أن الأشخاص الذين يمارسون التنمر يطلقون صفات سلبية مُعينة على المحجورين، أنهم "موبوءون"، إضافة إلى تحديد العلاقات والتعامل معهم، بشكل مباشر أو غير مباشر.

وأشارت قويدر إلى أن إلصاق الصفات في أذهان غالبية المواطنين من الدائرة الضيقة، وهم المسؤولون ومواقع التواصل الاجتماعي، بعد إعلان تفاصيل المحجورين، وهو ما يتطلب منهم ضرورة توصيل المعلومات الإيجابية باستمرار.

وأكدت ضرورة الابتعاد عن الوصمة الاجتماعية والسعي لدمجهم في المجتمع بشكل طبيعي، لأن الإصابة والمرض أمر خارج عن إرادة المصابين، إضافة إلى توصيل رسالة للمجتمع أنه "مرض يُمكن الشفاء منه وعدم رجوعه".

ونبّهت قويدر إلى أن نشوب ظاهرة التنمر من بعض المواطنين قد يكون ناجمًا عن شدة خوفهم من انتفال الفيروس لهم، مستدركةً: "لكن يجب عدم إيذاء هذه الشريحة المصابة، لأن المرض أمر خارج عن الإرادة، وذلك ينعكس سلبًا على حالتهم الصحية".

إلى ذلك، قال استشاري الصحة النفسية د. عايش سمور: "إن رفض التعامل مع المحجورين والمصابين بفيروس كورونا ووصمهم بالصفات السلبية أمر صعب، ويترك آثارًا سلبية".

وأوضح سمور خلال حديثه مع "فلسطين" أن الرفض يتفاوت من مواطن إلى آخر، وفقًا للفروقات الفردية التي تكون بينهم، ودرجة الخوف من المرض.

وبيّن أن الشخص الذي يخاف كثيرًا يرفض التعامل مع المصابين "بشدّة" ويحاول إثارة ضجّة حول ذلك، في حين يتمتع آخرون بعقلانية ويتعاملون مع الموضوع بحذر شديد دون إحداث أي تأثيرات سلبية تنعكس على المصابين.

وأشار إلى أن خطورة المرض تدفع بعضًا للتعامل بردة فعل شديدة وعدم الاحتكاك معهم خشية انتقال العدوى لهم، وقال: "الحذر مطلوب، ولكن دون أن تكون ردة الفعل قاسية"، داعيًا الأشخاص المصابين أو المشتبه بإصابتهم لأخذ الاحتياطات اللازمة ووسائل الوقاية كي يتقبلهم المجتمع بصورة أكبر.

وبحسب رأي سمور، يُمكن الحد من ظاهرة التنمر، بالتوعية والإرشاد بأن "المرض خطير لكن يُمكن الشفاء منه دون عودته، وضرورة التأكيد على ارتداء الكمامات والقفازات الطبية".

واقترح حلًّا بأن يكون لدى مراكز الشرطة مرشدون نفسيون للتعامل مع أي شكوى تصل إليهم من مواطنين لقوا تنمرًا، من أجل حلها، إضافة إلى إنشاء صفحة خاصة للتواصل مع الجمهور في تلك القضايا.

وكان المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان قد حذر في تقرير له، مؤخرا، من اتساع ظاهرة التنمر على خلفية انتشار فيروس كورونا المستجد (كوفيد-19)، وأنها تمتد وتتخذ أسوأ أشكالها حينما تندمج مع العنصرية والجهل، لتُعد دول أو شعوب بأكملها مصدرًا للفيروس أو تُسمى باسمه.

وقال الأورومتوسطي (مقره جنيف) في تقرير له: "إنّ مئات المشاهد العنصرية طفت على السطح وباتت مؤذية أكثر من الفيروس ذاته؛ لكونها تفصح عن سلوكيات وسياسات طويلة الأمد قد تمتد حتى لما بعد اختفاء الفيروس".