فلسطين أون لاين

​​​​​​​تحمّلوا أيامًا صعبة وعادوا "مطمئنين"

في مراكز "الحجر".. المواطنون والطواقم "الشرطية والصحية" كانوا "عائلة واحدة"

...
غزة _ يحيى اليعقوبي

كانت اللحظات الأخيرة في مراكز الحجر، ممزوجة بمشاعر الفرحة والحنين لرؤية العائلة والأبناء بعد غياب دام 21 يوما، وإحساس بالعاطفة بين المواطنين والطواقم الشرطية والصحية الذين عاشوا تلك الأيام معا وتعاونوا على مواجهة الأزمة؛ وبعدما حانت لحظات الفراق بقيت  تلك الأيام ذكرى لا تنسى في حياتهم.

على أبواب مراكز الحجر قدمت لهم التحية العسكرية تقديرًا لصبرهم على تلك الأيام وحماية أنفسهم وعائلتهم من خطر الفيروس، ومضوا في مواكب أشبه بمواكب الرؤساء تتقدمهم السيارات والدراجات النارية الشرطية، مشهد مبهج، انتهى باستقبال الأهل وعناق الشوق ودموع أسدلها الغياب الطويل.

 انتهت أيام الحجر لدى المئات، وبقيت ذكريات ولحظات وتفاصيل حياة تعيد صحيفة "فلسطين" الحديث عن عنها، ورصد انطباعات المواطنين الذين أمضوا فترة الحجر عن الرعاية الطبية والخدمات المقدمة لهم، وكيف كانت هذه التجربة.

"في الحقيقة الحجر قرار سليم، ويجب أن نخضع له جميعنا لما فيه من مصلحة عامة وإجراء وقائي تقبلناه بصدر رحب" ..  تأتيك تلك الكلمات عبر  سماعة "الهاتف" من صوت شخص متعب، مرهق، بعد يوم طويل أمضاه مع عائلته وأبنائه واستقبال المهنئين، استهل بها المواطن بهجت الحلو حديثه لصحيفة "فلسطين" عن رأيه الذي عبر من خلاله عن تفهمه للإجراءات الحكومية.

بعدما التقط أنفاسه، وتهيأ للحديث عاد عشرين يوما للوراء ينبش تفاصيل اليوم الأول: "كان ذلك اليوم صعبا والناس غاضبة ومرهقة بعدما قطعت مسافة طويلة من السفر، لكن صدقا بحكمة وصبر وإنسانية الطواقم الصحية والشرطية سواء بمعبر رفح أو مراكز الحجر، استطاعوا امتصاص الغضب".

تفهم الناس بعدما عرفوا أن الطواقم هي متطوعة لقضاء فترة الحجر معهم، مضيفا وهذه المرة عن مستوى الخدمات: "بعد اليوم الثالث لمسنا تحسنا كبيرا، الأسرّة نظيفة، يأتيك ثلاث وجبات يومية "ممتازة"، كان المكان بحاجة لمياه ساخنة وتم تلبيتها (..)  تفهمنا أن الإمكانيات قليلة واستطعنا امتصاص الصدمة الأولى بالمشاركة والتعاون".

تحسنت الأمور تدريجيا، والكلام للحلو، حتى أن القائمين على مركز "الصفوة" للحجر بخان يونس نظموا مجموعات على تطبيق "واتسأب" للمحجورين، وكانوا يستقبلون الطلبات عليها، كإجراء للحد من الاختلاط.

"كانت تجربة ناجحة وأجهزة الأمن عملت بمهنية عالية" .. بالنسبة له حظيت الطواقم الشرطية بالعلامة الكاملة، لكنه يوصي باتباع المزيد من الإجراءات الصحية في معاينة وفحص جميع المحجورين، أما عن الاتصال بالعالم الخارجي فلم يختلف الأمر داخل مراكز الحجر، إذ توفرت لهم كافة وسائل الاتصال مع عائلاتهم وذويهم وكانوا على تواصل مباشر معهم، لكن تلك الأدوات لم تغن عن لحظة واحدة لجلوسهم مع عائلاتهم.

على عتبات باب المركز، كانت نتائج الفحوصات "سلبية" لجميع المحجورين،  أي غير مصابين، ألقى الحلو – وهو ناشط حقوقي – تلك الأيام في ذاكرته، يحمل حقيبته على كتفه، وشوقا أثقلته الأيام على قلبه لأبنائه الأربعة، ولا يخفي ذلك بصوت ينبض بالحنين: "تشعر أن نفسيتك عادت إلى وضعها الطبيعي، شعور استقبال العيد، تصل لمرحلة من السكون، وهذا نتاج للصبر والتحمل والتعاون، أنصح من سيأتي للحجر أن يتحمل البداية وستمضي تلك الأيام".

هنا تخطت "ياسمين" ابنة السنوات الأربع أقدام المتجمهرين أمام الحافلة، ما أن نزل والدها من عتباتها، لم تنظر كثيرًا وقفزت بين ذراعي والدها محمد الشبطي، غير آبهة بكل البروتوكولات المعدة لترتيبات نزول من أمضوا فترة الحجر، حاظية بعناق انتظرته 21 يوما أمضاها والدها في مركز الحجر بمدرسة "مرمرة" بمحافظة رفح، وقبلها نحو 15 يوما أمضاها في مصر.

 كان صعبا أن تسمع صوت الشبطي عبر سماعة الهاتف، قبل أن تصلك أصوات أطفاله  فرحين بوجوده بينهم، وبينما كان الحال هكذا قال الشبطي لصحيفة "فلسطين" بعدما لم يستطع اسكات تلك الفرحة متحدثا عن تجربته: " شاهدنا تطويرًا يوميًا في إجراءات الحجر على كافة الأصعدة الصحية والخدماتية، استبدلت الفرشات بالأسرّة، فصلت دروات المياه، وتوفرت مياه ساخنة وانترنت وكهرباء وطبيب يراقب الأوضاع الصحية على مدار الساعة".

 يجبره الموقف على الضحك: "احنا مدللين .. أكل وشرب وحراسات وفش حاجة احتجناها ملقناهاش"، مدللا على كلامه بموقف جرى معه: "حدث معي مشكلة بالأذن تسببت بآلام، وعندما ذهبت وأخبرت الطبيب بذلك، على الفور أحضروا لي من خارج المركز الأدوية والعلاجات المطلوبة وذهب الألم عني، لم يتأخروا علينا بشيء كافة الأمور متوفرة بشكل دائم.

ابنته روزليندا (15 عاما)  تولت مسؤولية البيت في غياب والدها، ووالدتها التي بقيت عالقة بمصر، وتكفلت برعاية إخوتها الستة، بدت سعيدة وقد زاحت عودة والدها "الحمل الثقيل"، فتقول: "مرت الأيام عذابًا، لكن الآن الفرحة لا توصف لأنه غاب فترة طويلة، وعاد إلينا سالما نلعب معه مطمئنين على صحتنا وصحته".