فلسطين أون لاين

الحجر المنزلي.. "فرصة" لتقويم سلوك الأبناء

...
صورة تعبيرية
غزة-هدى الدلو

رغم أنها إجازة غير متوقعة للآباء والأبناء معًا، للوقاية من فيروس كورونا المستجد المنتشر عالميًّا، يرى كثيرون أن هذه الفترة لها أثر إيجابي للم شمل العائلة وتعزيز تماسكها بعدما تشتت بعضها بفعل الانشغال في العمل، فهذا الحجر جعل الآباء يعايشون كل دقيقة في وقت أبنائهم وتصرفاتهم لتقييمها وتقويمها.

سعيد عوض، أب لخمسة أبناء، يعمل لساعات طويلة خارج المنزل، ولا يعود إلا في وقت متأخر، ويكون في أغلب الأحيان أبناؤه نائمين، فلا يختلط معهم، يقول: "بعد مكوثنا معًا في البيت، وجدت أنهم بحاجة إلى تعديل في بعض العادات الخاطئة المكتسبة من البيئة الخارجية كبعض الألفاظ غير المناسبة".

ويضيف لصحيفة "فلسطين": "كنت في أيام الإجازة أخرج أحيانًا للتنزه مع أصدقائي، لكن هذه الفترة جعلتني قريبًا من أبنائي، رغم أنه في بعض الأوقات لا أتحمل أصوات لعبهم، وضوضاءهم؛ ما يدفعني للانفجار فيهم"؛ وفق تعبيره.

أما عبير سليم فهي أم عاملة تعود من دوامها، "لدوام" آخر في البيت، حيث إنها كانت تنشغل لوقت متأخر في أعمال البيت وتلبية احتياجات أبنائها الثلاثة.

تقول عن ذلك لصحيفة "فلسطين": "كنت دائمًا أسعى أن أكون أمًّا مثالية، قريبة من أبنائي لمعرفة أسرارهم وتصحيح أخطائهم، والعمل على تعديل تصرفاتهم وسلوكياتهم، لكن لم يكن الوقت كافٍ أمامي".

وتوضح أنه في غيابها عن البيت لم تكن تستطع أن تسيطر عليهم بالشكل المثالي لاحتكاكهم بالكثير من الناس، "لكن اليوم رغم الظروف النفسية الصعبة إلا أنها مكنتني من وضع يدي على سلوكيات خاطئة يرتكبها أطفالي وغائبة عن ناظري، فتلك الفترة هي فرصتي لتعديلها".

"فرصة ذهبية"

من جهته يقول رئيس قسم الاختصاصيين النفسيين والاجتماعيين في الإدارة العامة للصحة النفسية إسماعيل أبو ركاب: "لربما عصر العولمة فرض على الآباء معادلة صعبة في التربية، فالالتزامات كبيرة والحياة أصبحت أكثر تعقيدًا من جميع النواحي المادية والروحية والعاطفية".

وفي حديث مع صحيفة "فلسطين"، يشير إلى أن الكثير من الآباء يبحثون عن مصادر للرزق بهدف توفير كل ما يلزم أبناءهم، وقد نجحوا في الجانب المادي، ولكنهم فشلوا في إشباع الجانب العاطفي والمعنوي لدى أطفالهم.

ويضيف أبو ركاب: "المفارقة أن جائحة كورونا كانت كالمنقذ لما تبقى من علاقة هشة داخل الأسرة، فمن أحسن استغلال فترة الحجر المنزلي تمكن من التغيير، ومن لم يحسن زاد الطين بلة، بل وزادت حدة السلوكيات السلبية على أبنائه".

ويصف الحجر المنزلي بأنه "فرصة للعودة إلى حضن العائلة، وتعديل السلوكيات الخاطئة للأبناء، ويمكن استثمارها في تحسين العلاقة الإيجابية مع الأبناء وليعلم الآباء أن ما سيذكره الأبناء ليس نوع الطعام الذي أحضرته ولا كمية الملابس رغم أهميتها، ولكن ما سيذكره في المستقبل هو كم مرة جلست معهم، وكنت متفهم لاحتياجاتهم، ومنصف لهم، وكم مرة جلست مع كل ابن على انفراد وتحدثتم معًا، وكم من مرة بكى واحتضنته".

ويبين أبو ركاب أن تعديل سلوك الأبناء مرتبط ارتباطًا وثيقًا بقرار الوالدين في التغيير، فاستشعار الحاجة إلى التغيير هو أمر مهم ودافع للبدء في تغير المعادلة، فالطفل العنيد أو المشاكس أو العدواني وغيره، إذا وجد أبًا وأمًّا متفهمين ويمكنهما استيعاب الطفل، فحتمًا ستتغير المعادلة والسلوكيات إلى الإيجاب.

وينبه إلى أن الكثير من الآباء في هذه الفترة، يبحثون عن ألعاب يمكنها أن تغطي معظم وقت الطفل، وهم بذلك يشعرون بالانتصار، ويحاولون استكمال ما هم فيه من تيه وبعد، وآخرون استغلوا الفرصة وبدؤوا في التغيير وحولوا تلك الأزمة إلى منحة.

لكن هل يمكن تعديل السلوكيات في هذه الفترة؟ يعتقد أبو ركاب أن الأمر يعود للوالدين، فإقحام الأطفال في تفاصيل المرض أمر سيئ مثل ذكر أرقام الوفيات، والدول الأكثر تضررًا أو غيرها من المعلومات التي ممكن أن تضر نفسيته، فلذلك قدرة الآباء على فلترة المعلومات هو أمر مهم، كما أن حجم خوف الطفل من المرض وتداعياته لا يعد معوقًا للتغيير بل ممكن استغلال تلك الجزئية كدافع للتعديل.

ومن المشكلات التي يمكن أن تواجه الآباء في تلك الفترة، يلفت أبو ركاب إلى عدم القدرة على كسر الروتين للأطفال، ما يشعرهم بالملل والتفكير السلبي، والثانية أن الكثير من الأطفال يرتبط مفهوم الإجازة المدرسية لديهم بالتنزه والرحلات والزيارات، فإذا لم يستطِع الوالدان توفير جو من البهجة والسرور لدى الأطفال فسيتحول ذلك إلى ردات فعل سلبية مثل العدوانية وأحلام اليقظة، والقلق من المستقبل.

ويضيف: "المشكلة الثالثة تكمن في تغيير المفاهيم، فالكثير من الآباء نجح في إيصال فكرة للأطفال أنه لا يستطيع الجلوس والاستماع إليهم لأنه مشغول في توفير المال لإسعادكم، والآن أصبح لدى العديد من الآباء الوقت الكافي ولكنهم أيضًا لا يعطون أبناءهم إياه؛ ما يزيد عند الأطفال روح الأنانية والرهبة الاجتماعية"؛ وفق وصفه.

ووفق الاختصاصي النفسي والاجتماعي، لا بد من استثمار تلك الفرصة بما هو مفيد للطفل، سواء في تعديل السلوكيات الخاطئة، وتعزيز الإيجابي منها، ومحاولة معرفة الهوايات والعمل على تنميتها، فالأبناء كقطعة الإسفنج تمتص الخير والشر.