فلسطين أون لاين

تضحيةُ "رجال الأمن" بمراكز "الحجر".. أعباءٌ تجاوزت دور "الشرطي"

...
غزة- يحيى اليعقوبي

أسبوعان مضيا على غياب الملازم أول كامل عياش عن أطفاله، كي يتفرغ هو والمئات من منتسبي الأجهزة الأمنية لخدمة المواطنين المحجورين احترازيًّا بمراكز الحجر الصحي والوجود معهم طيلة تلك المدة.

مدة تحمل فيها رجال الأمن والشرطة أعباءً إضافية أخرى، تجاوزت حدود دورهم الشرطي إلى دور إنساني أكبر في القيام على رعاية المحجورين، خاصة من المرضى وكبار السن، سبعة منهم أصيبوا بفيروس كورونا.

أخبر عياش طفلته بلسم وشقيقيها، الذين لا يعرفون معنى "الحجر الصحي" أنه سيسافر، لكنه رسم صورة مختلفة لهذا السفر، قائمًا فيها على رعاية المواطنين على مدار الوقت، لم يجد فيها وقتًا يختلسه للحديث مع أطفاله إلا دقائق سريعة، فعلى مدار الوقت لا تتوقف احتياجات الناس، حتى قبل أن يتحدث لنا عبر طرف سماعة "الهاتف الأخرى" كانت أصوات الناس حوله توحي بذلك.

عياش يقول: في اللحظة الأولى التي أخبرنا أن مواطنين قادمين من السفر وسيحجرون احترازيًّا، وأعلمنا بمكوثنا معهم، باشرنا ترتيب وتهيئة المدارس لاستقبال يليق بهم.

من اللحظة الأولى، بدأ الملازم المكلف بتأمين مدرسة "لولوة القطامي" بمحافظة غزة توزيع المهام مع زملائه، للحراسة، والاستقبال، والتجهيز، يضيف: "بعد ذلك وزعنا الناس على الغرف، بعد أن رتبناها ووزعنا الأسرّة، والأغطية، وكنا على قلب رجل واحد وكنا يدًا ومعينًا لحياة الناس داخل المركز".

"انقطعنا عن أهلنا وكان لهم احتياجات كثيرة"، في نظر عياش احتياجات الأهل يمكن تلبيتها أو الصبر عليها، لكن رسالة الشرطة وخدمة الوطن أهم، يقول بكلمات تسبقها الرضا عما يقدم: "أتدري؟؛ لا يوجد لدي فرصة لمحادثة أطفالي وزوجتي، ربما لم أتفرغ سابقًا لخدمة أهلي كما خدمت الناس في مراكز الحجر".

"اللي خلانا نصبر أنه شعبنا معطاء، قدم شهداء، وهذا كان حافزًا على أن نقدم وقتنا للناس"، حمل عياش ورفاقه ومئات أفراد الشرطة هذا الدافع، وواجهوا به قسوة الأيام، يضيف: "لا تتوقف طلبات الناس هنا، خاصة أن معظمهم كبار سن ولديهم أمراض مزمنة، وانغرسنا بين الناس وتعاملنا وجهًا لوجه معهم".

"متى ستعود إلى المنزل؟" يتكرر هذا السؤال من أطفاله في كل اتصال هاتفي يحاول به عياش الاطمئنان على عائلته، ولديه بلسم (6 سنوات)، وأحمد (5 سنوات) والرضيع حمزة، ينتظرون بصبر، وشوق لا ينطفئ المكالمات الهاتفية التي يشاهدون فيها والدهم عبر تطبيقات مواقع التواصل.

رسالة شكر

"رجال الأمن يوفرون لنا جميع الخدمات، تركوا عائلاتهم، يستوعبون جميع الفئات: شبابًا، وصغارًا، ونساء، وكبار سن، يعاملوننا سواسية، يوفرون لنا كل طلباتنا، ومهما تحدثنا فلن نستطيع إيصال رسالة الشكر لوزارة الداخلية ورجال الأمن، لأن وقفتهم معنا تتعدى جميع مراحل الشكر والامتنان"، كانت هذه رسالة أحد المواطنين المحجورين بمركز الحجر الصحي في مدرسة "مرمرة" بمحافظة رفح إلى رجال الأمن الساهرين لأجلهم.

ويقول لصحيفة "فلسطين": استوعب رجال الشرطة الظرف وتعاملوا معنا بود ومحبة، و طوال الوقت يسهرون على راحتنا على حساب راحتهم.

يشعر منير جندية والد الشرطي "منذر" بالفخر للدور الكبير الذي يقوم به نجله: أنا فخور بخدمة ابني للوطن والشعب، تاركًا زوجته وأولاده الخمسة ويخدم مرضى وكبار سن.

لا يزال يعبر عن افتخاره بنجله الذي يقوم على رعاية المرضى بفندق "كومودور" في مدينة غزة: "هذه تضحية ضرورية من أجل الغير، رغم أنه صعب علي أن يغيب ابني عني أكثر من أربعة عشر يومًا ولا أراه، لكن للضرورة أحكام أنه يخدم المواطنين ويقدما عملًا وطنيًّا شريفًا، وهو بذلك يخدم الشعب كله ويخدمنا نحن".

خطة شاملة

المتحدث باسم وزارة الداخلية إياد البزم يقول: إنه في إطار تنفيذ الخطة الوقائية لمواجهة فيروس "كورونا" لدى وزارة الداخلية خطة شاملة ينفذها أعداد كبيرة من رجال الأمن والشرطة داخل القطاع، منها تأمين مراكز الحجر الصحي التي فيها أعداد من المواطنين الذين يخضعون للحجر الصحي الاحترازي، يقوم على خدمتهم عناصر الشرطة الذين اتخذ قرار بحجرهم طيلة وجود المواطنين منعًا لانتقال العدوى.

ويضيف البزم لصحيفة "فلسطين": "هذا يلقي عبئًا على رجال الشرطة الذين يتحملون الضغط، نتيجة المكوث ثلاثة أسابيع متواصلة مبتعدين عن عائلاتهم، وتحمل أعباء كبيرة في هذه المرحلة الطارئة والحساسة، لكن في النهاية نحن نؤدي دورنا في خدمة أبناء شعبنا".

ويلفت إلى أن الداخلية استنفرت كل إمكاناتها من أجل تقديم الخدمة، مقدرًا عدد منتسبي الأجهزة الأمنية داخل مراكز الحجر كافة طوال مدة مكوث المواطنين نحو 350 عنصرًا.

ويبيّن أن وزارة الداخلية بكامل أجهزتها الأمنية والشرطية التي يقدر عددها نحو 20 ألف منتسب على أتم الجهوزية والاستعداد للتعامل مع الظروف الطارئة، وتسخر كل إمكاناتها المادية والبشرية في خدمة المواطنين.