مرة أخرى تثبت قيادة المقاومة الفلسطينية مدى إنسانيتها واحترامها للقيم الحضارية وتقديرها للمرحلة، أمام مقايضة وزير الحرب الإسرائيلي نفتالي بينيت، إدخال المساعدات الطبيّة اللازمة لمكافحة فيروس كورونا إلى غزة، بمدى التقدم الذي تحرزه (إسرائيل) في محاولتها استعادة جنودها الأسرى لدى حماس.
مساومة بينيت إثبات واضح على تجرّد الاحتلال من أيّ جانب أخلاقي أو قيمة إنسانية من خلال منعه الدواء واللوازم الطبية عن مليوني فلسطيني، وهذا بالمناسبة ما يفعله منذ 14 عامًا من الحصار على غزة، ودليل جديد على إرهاب وإجرام الاحتلال بحق الشعب الفلسطيني.
قطاع غزة وفقًا لخبراء القانون يخضع للاحتلال الحربي الإسرائيلي، ما يفرض عليه -بوصفه قوة احتلال- تحمُّل المسؤولية عنه، وإلزامه بتقديم الخدمات الإنسانية، وإرسال الأدوية والمهمات الطبية للسكان.
الرد كان واضحًا، حازمًا وحاسمًا، على لسان القائد يحيى السنوار، الذي قال: "إذا لم تجد غزة الغذاء والدواء، وهددها الفيروس، فإن 6 ملايين إسرائيلي سينقطع عنهم النفس، وإذا لزمها أجهزة تنفس ومستلزمات طبية فسننتزعها من الاحتلال (خاوة) وهم يعرفون أننا قادرون".
بيد أن السنوار أبقى الباب مواربًا، وتحدث بلغة الحكمة والإنسانية، أنه لا يمكن البدء بصفقة تبادل أسرى قبل الإفراج عن الأسرى المعاد اعتقالهم في صفقة وفاء الأحرار، ولكن يمكن تقديم تنازل جزئي في موضوع الجنود الأسرى لدينا مقابل الإفراج عن الأسرى كبار السن والمرضى، كمبادرة إنسانية في ظل أزمة كورونا".
ففي الوقت الذي يخفي الاحتلال حقيقة الأوضاع الصحية للأسرى في سجونه ولا يقوم بالمطلوب منه لحمايتهم من "كورونا" ، تتقدم المقاومة خطوة إلى الأمام، وتتحدث بأخلاق الفرسان والقيم والمبادئ التي تؤمن بها، وتقديرها لحياة وكرامة الإنسان، وتطرح مبادرتها الإنسانية القيمية، في زمن "كورونا".
لم يوضح السنوار -ربما عن قصد- طبيعة التنازل الجزئي وماذا يقصد به؟ هل هو صورة لأسرى إسرائيليين أو رسالة أو غيرها؟ لكنها غالبًا ستكون خطوة على طريق إنجاز صفقة تبادل أسرى جديدة وكبيرة، ولو كان بين قادة الاحتلال حكماء سيلتقطون الفرصة ويبادرون بالتنفيذ.
أعاد السنوار الكرة في الملعب الإسرائيلي، الذي حاول بعض قادته تسجيل هدف في مرمى المقاومة لكنهم فشلوا، بل وهدد بقوله: "إننا وقيادة كتائب القسام نراقب الحالة الصحية لأسرانا في سجون الاحتلال، وقد نتخذ إجراءاتٍ كبيرةً في حال تقاعس الاحتلال عن حماية الأسرى صحيًا!!".
قادة (إسرائيل)، وقبلهم المجتمع الإسرائيلي وأهالي الجنود المفقودين، مطالَبون مجددًا بقراءة الكلمات جيدًا، والبحث بين السطور، والإمعان في التحليل لإدراك المقصود، والتجاوب مع المبادرة الإنسانية قبل فوات الأوان.