بمناسبة يوم الأرض الفلسطيني الذي تحل ذكراه في 30 مارس، أستحضر المحن التي عاشتها أرض فلسطين وشعبها على يد الكيان الصهيوني، كما أستحضر محنة سكان الأرض اليوم بسبب جائحة كورونا، وأمام موقف غير عادل منشغل بوباء كورونا صاد عن أي ذكرى أو حدث، أجدني لزاما أمام مقارنة بين أرض وأرض، وبين جائحة وجائحة، خاصة أن أرض فلسطين تعرف جائحة مماثلة أو هي أفتك منذ عقود، وهي جائحة الصهيونية.
1- إذا كانت جائحة كورونا تقتل المسنين وضعيفي المناعة، فجائحة الصهيونية تقتل كذلك المسنين و العزل ممن ليس لهم سلاح ولا عتاد يحمون به أنفسهم من وحشية العصابات الصهيونية، فقد قتلت عشرات آلاف الشهداء منذ عام النكبة إلى يومنا هذا. غير أن الأولى تقتل المسنين وضعيفي المناعة، أما الثانية فتقتل الكبار والصغار والرضع والنساء والرجال، الكل على حد سواء، عبر مجازر جماعية، فقد اقترفت العصابات الصهيونية أكثر من 70 مجزرة بحق الفلسطينيين أدت إلى استشهاد ما يزيد على 15 ألف فلسطيني في عمليات التطهير في أثناء النكبة.
2- إذا كان وباء كورونا قد فرض حجرا على دول بأسرها، فوباء الصهيونية فرض حجرا على فلسطين بأكملها، فحرم ملايين الفلسطينيين من حق العودة إلى أراضيهم، حيث أشارت سجلات وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا) إلى أنّ عدد اللاجئين المسجلين في الأول من ديسمبر 2018 هو نحو 6.02 ملايين لاجئ فلسطيني، يعيش نحو 28.4 في المائة منهم في 58 مخيماً رسميا تابعاً للوكالة، أما غير المسجلين فبالآلاف.
كما أقام الكيان الصهيوني جدار العزل العنصري الذي أدى إلى فرض قيود على نحو 1.9 مليون نسمة يعيشون في مناطق قريبة من الجدار أو المستوطنات. أما الجدار الذي يحيط بالقدس فيبلغ طوله 139 كيلومتراً، ويعزل نحو 112 كيلومتراً مربعاً من مساحة القدس. غير أن وباء كورونا منع من كانوا عالقين خارج البلد طواعية من الدخول، ويتجاوز أحيانا بل يرسل الطائرات لإعادة بعضهم إلى أرض الوطن ويرعى البعض الآخر، أما وباء الصهيونية فقد أخرجهم عنوة ومنعهم منعا كليا من حق العودة، وتركهم في الشتات في الملاجئ والمخيمات بدون رعاية ولا اهتمام، وحسب التقرير الذي استعرضته رئيسة الإحصاء الفلسطيني، علا عوض، فإنّه خلال النكبة تم تشريد نحو 800 ألف فلسطيني من قراهم ومدنهم من أصل 1.4 مليون فلسطيني كانوا يقيمون في فلسطين التاريخية عام 1948 في1300 قرية ومدينة فلسطينية.
وبالمقابل استقدم آلاف المهجرين اليهود من خارج فلسطين، حيث بلغ عدد المهاجرين بين 1882م و 1967م 420 ألف مهاجر، وبين 1920م و 1936م ما يقارب مليونين و 363.481 مهاجرا، حسب إحصائيات مركز المعلومات الوطني الفلسطيني-وفا، أما في العشر السنوات الأخيرة بين 2010م و2019م بلغ عدد المهاجرين اليهود ربع مليون (250 ألفا).
3- وإذا كان وباء كورونا قد عزل وحاصر مناطق بعينها لأسابيع، فإن وباء الكيان الصهيوني حاصر غزة لسنين، حرمها من حق التنقل البري والجوي والبحري، غير أن الأول يحاصر البشر ويعمل جاهدا على نقل البضائع والحاجيات وتوفير ظروف آمنة للعيش، أما الثاني فيمنع البشر ويمنع عنهم كل شيء إلا لماما، فيمنع عنهم الطعام والشراب والدواء والكهرباء.. ما يجعل حياتهم جحيما، فحسب تقرير حقوقي صادر عن "مركز "حماية" لحقوق الإنسان، فقد ارتفعت نسبة الفقر إلى 65% في صفوف المواطنين، ونسبة البطالة إلى 50% تقريبًا، وبلغت نسبة العجز بالكهرباء 63%، وتزايدت أزمة نقص الأدوية، وبلغت نسبة تلوث المياه الجوفية ما يقارب 97 %، كما ارتفعت نسبة تلوث مياه البحر لتصل إلى 73 % من مياه بحر غزة غير صالحة للسباحة فيه، كما يسجل منع 400 مادة ضرورية، ما أعاق إعادة إعمار غزة بعد عدوان 2014.
ويزيد من وحشية وباء الصهيونية رفضه تخفيف الحصار على غزة حتى تقوى على مواجهة وباء كورونا، رغم النداءات المتعالية اليوم، فيجتمع عليها الوباءان، ويزيدها محنة إلى محنة.
4- وإذا كانت مصيبة كورونا تفرض الحجر على البعض في المستشفيات تحث الرعاية الصحية، فإن مصيبة الكيان الصهيونية قد فرضت على الآلاف من الأسرى الفلسطينيين، حيث بلغ عدد الأسرى والمعتقلين حتّى نهاية شهر يناير 2020 قرابة 5000 أسير، منهم 42 أسيرة، و قرابة 200 طفل، و450 معتقلا إداريا.
غير أن الأول يحجر مع توفير الرعاية الصحية والإنسانية، أما الثاني فيأسر في ظروف غير إنسانية ودون رعاية صحية، بل يتعرض المعتقلون في مراكز التحقيق لتعذيب جسدي تتعدد أساليبه مثل: العزل والتحقيق لفترات طويلة والضرب المبرح والشبح والحرمان من النوم، والحرمان من احتياجات النظافة الصحية والتحرش الجنسي والتهديد، بالإضافة للتعذيب النفسي الشديد باستخدام أهل المعتقل و/أو معتقلين آخرين للضغط على المعتقل. وتشمل التهديدات المستخدمة تهديدات بالإيذاء والاغتصاب والتعذيب، وإلغاء الإقامة لأهل القدس.
وهكذا يعيش الأسرى اليوم حالة الخوف من الإصابة بوباء كورونا أمام رفض وباء الاحتلال إطلاق سراحهم، فتضاف إلى محنة الأسر محنة المرض المميت.
5- وإذا كان بلاء كورونا قد عطل المساجد وسمح بالأذان، فبلاء الصهيونية قد أغلق المساجد ومنع الآلاف من الصلاة في المسجد الأقصى، بل الملايين من أبناء الأمة، وأغلق مصلى الرحمة والمسجد الأقصى. غير أن الأول منع الصلاة بالمساجد ولم يمنع الأذان بالمسجد الأقصى، وأغلق المساجد ولم يهدمها كما فعل في غزة، ولم يحرقها كما حرق المسجد الأقصى، كما أن وباء كورونا منع الناس من دخول المساجد ولم يقتحمها ويدنسها كما يفعل بلاء الصهيونية بالمسجد الأقصى والمسجد الإبراهيمي باقتحاماته المتكررة لهما ولباحاتهما.
6- وإذا كانت لعنة كورونا تعدي فتزداد فتكا وانتشارا، فلعنة الصهيونية تعدي عبر التطبيع لتزداد تسلطا وتجبرا على الشعب الفلسطيني، غير أن الأولى عدواها منبوذة ومحاربة، أما عدوى التطبيع فمطلوبة ومدعمة.
وكما أن الشفاء من وباء كورونا بالحجر والعزل الصحي، فكذلك القضاء على وباء الصهيونية بالعزل والحجر والمقاطعة، وإلا فالتطبيع سم قاتل.
7- وإذا كانت كارثة كورونا تصيب فقط البشر فكارثة الصهيونية تصيب البشر والحجر والشجر، فكم اغتصبت من أراضٍ فلسطينية، وكم جرفت من أشجار الزيتون، وكم هدمت من بيوت. فخلال مرحلة النكبة سيطر الكيان الصهيوني على 774 قرية ومدينة فلسطينية، ودمر 531 منها بالكامل. وهدم 471 مبنى خلال عام 2018، من بينها 215 مبنى في القدس تم تهجير 217 فلسطينياً من بينهم 110 أطفال، وأصدر الاحتلال في العام نفسه أوامر بهدم 546 مبنى في الضفة الغربية والقدس. حتى شجر "الزيتون يتعرض لحملة إبادة، سواء باقتلاعه (اقتلاع 2000 شجرة في قرى محيطة برام الله في 2018)، أو الاعتداء في أثناء جني الزيتون.
8- وإذا كانت كورونا تفتك دون أن تتبرأ من فعلها رغم أنها كائن غير مرئي بالعين المجردة، فإن الصهيونية تفتك وتفسد في الأرض متبرئة من جرائمها ومتفننة في التهويد وتزوير الحقائق، غير أن الأولى مدانة من طرف منظمة الصحة العالمية رغم أنها غير مرئية، وخاضعة لقوانينها، أما الثانية فهي مبرأة محمية من طرف قوى الاستكبار العالمي، رغم أنها ظاهرة وجلية وتضرب بقرارات المنتظم الدولي عرض الحائط.
9- وإذا كان وباء كورونا يهدد البشرية بالقتل والفتك، فإن وباء الصهيونية لا يقل عنها تهديدا للبشرية بالفناء والدمار بواسطة الحروب التي تشعلها هنا وهناك وإثارتها النعرات العرقية والعصبية بمكر الليل والنهار. وليس بعيدا أمام تبادل التهم بين القوى العظمى أن يكون وباء كورونا صنيعة صهيونية، ونكون وقتها أمام وباء واحد وهو روح الجاهلية أي الصهيونية المتجذرة، ويبقى هذا الاحتمال مشروعا وكذا سؤال: لماذا رغم فساد وجرم ووحشية وباء الكيان الصهيوني وتعميره في الأرض لعقود لم يواجه كما ووجه وباء كورونا رغم "ضعفه" وحداثته؟
10- وإذا كان علاج وباء كورونا يقتضي العزل الصحي وتقوية المناعة وتجرع الدواء والبحث عن اللقاح والوحدة والتعاون، فإن القضاء على وباء الصهيونية يقتضي المقاطعة والعزل السياسي وتقوية المناعة بمحاربة ما يضعفها، وهو داء الوهن في القلوب والجهل في العقول، ودواؤهما بذكر الله والعلم النافع، وإعداد القوة والبأس الشديد والوحدة والتعاون بين الأحرار. غير أن الأول يفرض عزلة تامة عن المصابين أما الثاني فيفرض مقاطعة الوباء الصهيوني ومقاطعة صنائعه، كما يفرض صحبة أطباء القلوب أولياء الله المقربين والمعافين من الفضلاء الأحرار والشرفاء.
وفي الختام كلنا أمل وبشرى أن تغدو البشرية بعد محنة كورونا أكثر إنسانية، فتتصدى وتتوحد لمواجهة أي محنة إنسانية بغض النظر عن الدين والعرق والوطن وفي مقدمتها محنة الشعب الفلسطيني الذي يعاني من وباء الصهيونية تقتيلا وأسرا وإجلاء وحصارا... كما تصدت وتوحدت لمواجهة كورونا، فتقوى الإنسانية بعد هذه المحنة على تحقيق الأمن والسلام والمحبة والنماء في كل الأرض، بما فيها أرض فلسطين أرض بيت المقدس المبارك.
كما نتمنى أن تحل علينا ذكرى الأرض الفلسطينية وذكرى الأرض العالمية القادمة، فتكون الأرض غير الأرض، بداية يعمها السلام بدل الحرب، والأمن بدل الرعب، والمحبة بدل الكراهية، والتعارف بدل التنافر، والنماء بدل الفناء.
نسأل الله أن يرفع وباء كورونا بحلول ذكرى يوم الأرض العالمي، الذي فيه تنتهي حالة الطوارئ الصحية بالمغرب، وتتشافى الأرض من هذا الوباء، كما نسأل الله عز وجل أن تحل علينا ذكرى يوم الأرض الفلسطيني، وقد أخذت أرض فلسطين والأرض جميعا تمثل للشفاء من وباء الصهيونية.
حفظ الله أرض فلسطين وشعبها والأرض الأم وأهلها من الوباءين.