فلسطين أون لاين

التضرع والدعاء.. الحبل المتين بمواجهة الأمراض والأوبئة

...
صورة تعبيرية
هدى الدلو

دعت مساجد قطاع غزة المواطنين إلى التضرع والدعاء بغية رفع البلاء عنا، إذ ضربت جائحة كوفيد-19 العالم، فما أثر التضرع في القضاء على الوباء؟، وما فعالية الدعاء في دفع البلاء؟

عن هذه الأسئلة يجيب الداعية مصطفى أبو توهة بقوله: "الابتلاء هو سنة الله (تبارك وتعالى) في عالم الأحياء، وليس بالضرورة أن يكون ذلك الابتلاء بالضر، بل قد يكون بالخير، لقوله (تعالى): "وَنَبْلُوكُم بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً ۖ وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ"، فإذا كان الابتلاء بالخير فالواجب المستحق هنا الشكر والعرفان لمن بيده الخير وهو على كل شيء قدير (أفادتكم النعماء مني ثلاثة: يدي ولساني والضمير المحجبا)، بالشكر تدوم النعم (ولئن شكرتم لأزيدنكم)".

ويبين أبو توهة في حديث مع صحيفة "فلسطين" أنه إذا كان الابتلاء بالشر والضراء فالواجب المنوط بالعبد ساعة إذن التسليم لأمر الله (تعالى)، إن لم يكن للعبد فيه يد، وهو التسليم المصحوب بالصبر واحتساب الأجر عند الله (تعالى): "إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُم بِغَيْرِ حِسَابٍ"، وهو ليس الصبر السلبي الذي يدعو صاحبه إلى القعود ورفع الراية البيضاء استسلامًا، بل هو الصبر الإيجابي الذي يتعاطى مع أسباب الفكاك من هذا الخطر الداهم.

ويوضح أنه لعل ما أصاب البشرية اليوم مما يسمى مرض كوفيد 19 هو شكل من تلك الأخطار التي أحدقت بأكثر من 130 دولة من مجموع 196 من دول العالم، وقد واجه الإنسان هذا البلاء بكل ما استطاع من جهد وطاقة استنفرت موارد الدول بمبالغ وصلت إلى المليارات، وإن لم يكن الفعل محمودًا فإنه استجابة لمطلب شرعي: "يا عباد الله تداووا فما أنزل الله من داء إلا وأنزل له دواء عرفه من عرفه وجهله من جهله".

ويشير إلى أنه على المؤمنين المليين (أصحاب ملة) ألا يقفوا عند الأسباب المادية على ضرورتها وأهميتها، بل يرفعوا ويعززوا تلك الإجراءات الوقائية والعلاجية بالتضرع إلى مسبب الأسباب (سبحانه وتعالى) الذي لا يقع في هذا الكون إلا ما يريد.

ويضيف أبو توهة: "إن كان على غير رضاه أحيانًا، فالدعاء هنا هو الوسيلة الناجعة يمد بها الإنسان حبل الافتقار واللجوء إلى من أمره بين الكاف والنون، القائل: "وإذا مرضت فهو يشفين"، ذلك أن الابتلاء أحيانًا قد يكون وسيلة إلى حمل الإنسان الظلوم الكفار إلى الله اضطرارًا (وَلَقَدْ أَخَذْنَاهُم بِالْعَذَابِ فَمَا اسْتَكَانُوا لِرَبِّهِمْ وَمَا يَتَضَرَّعُونَ)".

"فما أحوجنا إلى الدعاء فرادى وجماعات على فرشنا وفي سائر حياتنا دعاء نستنزل به الخير، ونستبعد فيه الشر" يتابع حديثه، مستشهدًا بقول الله (تعالى): "قُلْ مَا يَعْبَأُ بِكُمْ رَبِّي لَوْلَا دُعَاؤُكُمْ ۖ فَقَدْ كَذَّبْتُمْ فَسَوْفَ يَكُونُ لِزَامًا".

دفع الضر

من جهته يقول الداعية أحمد زمارة: "إن الإنسان بطبيعته خلق ضعيفًا لا يستطيع أن يدفع عن نفسه ضرًّا مسه أو يجلب لها خيرًا إلا بمعية الله وتوفيقه، ولا يستجلب الإنسان النعمة ويدفع عن نفسه النقمة إلا بالدعاء والتضرع إلى الله (سبحانه وتعالى."(

ويضيف زمارة لصحيفة "فلسطين": "إن الله (سبحانه) قد أخبر أنه قريب من عباده، وأمرهم أن يتقربوا إليه بالدعاء والضراعة، إذ قال (تعالى): (ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ)".

ويذكر زمارة قول الرسول محمد (صلى الله عليه وسلم): "أفضل العبادة الدعاء"، وقوله أيضًا: "إن ربكم (تبارك وتعالى) حيي كريم يستحيي من عبده إذا رفع يديه إليه أن يردهما صفرًا خائبتين"، معلقًا: "فتمسك بالدُّعاء كأنك لا تعرف علاجًا غيره".

وينبه إلى أن الدعاء وقت النوازل وانتشار الأمراض والأوبئة هو الحصن الحصين والحبل المتين والعلاج النافع بإذن الله (تعالى)، قال (تعالى): "فَلَولَاۤ إِذ جَاۤءَهُم بَأسُنَا تَضَرَّعُوا"، وقد يبتلي اللهُ العباد بالعلل والأوجاع ليُؤدِّبَ الشّارد ويُنَبِّهَ الغافل ويوقظَ السَّاهي.

ويتابع زمارة: "فتضرعوا لله وقت البلاء، وقد قال الإمام ابن القيم: "والله (سبحانه) يبتلى عبده ليسمع شكواه وتضرعه ودعاءه، وقد ذم (سبحانه) من لم يتضرع إليه ولم يستكن له وقت البلاء"، قال (صلى الله عليه وسلم): (لا يرد القضاء إلا الدعاء ولا يزيد في العمر إلا الصلة)".

وقد ورد عنه (صلى الله عليه وسلم) قوله: "حصنوا أموالكم بالزكاة وداووا مرضاكم بالصدقة واستقبلوا أمواج البلاء بالدعاء والتضرع فمن يكثر من الدعاء يحفظه الله (عز وجل) من المهلكات ويدفع عنه البلاء والمصائب بأنواعها"، وقال: "لا يهلك مع الدعاء أحد".