في الحديث عن أضرار السهر كلام كثير، فتبعاته السلبية على الصحة الجسدية والنفسية غير هيّنة، ولذا فمتابعة نوم الأبناء جزءٌ من مهام الأهل، خاصة أنه قد يفتح لهم أبوابًا تدخلهم إلى عوالم جديدة.
حذّرتهما ولكن..
تقول "نجوى سعدي": إن موعد النوم لا يتجاوز العاشرة ليلًا على أبعد تقدير في عائلتها، وقد اعتادت هي وإخوتها على ذلك منذ طفولتهم، مضيفةً: "لم يكن هذا الموعد قانونًا عائليًا حدده والداي، وإنما كان يتم من باب العادة، وإن رغبنا بالسهر يومًا ما فلا مانع عندهما".
وتتابع: "أخي الوحيد حصل على دلال كبير جدًا، بدرجة كافية لإفساده، وعندما وصل المرحلة الثانوية، مال فجأة إلى السهر، حتى أنه في بعض الأيام كان يتغيب عن المدرسة لكونه لم ينم إلا في موعد الفجر".
وتواصل: "لاحظتُ أن اهتمام أخي بالسهر مرتبطٌ بكونه بمفرده، وأنه يقضي الليل أمام التلفاز، وعندما أدخلنا الإنترنت إلى بيتنا بات يحرص على إغلاق باب غرفته، وإذا ما فتح عليه أحدٌ الباب فجأة يبدو الفزع على وجهه، ويمسك بهاتفه النقال بشدة خوفًا من وقوعه في يد أحد".
وتوضح أنها كانت تسهر معه لتضمن عدم متابعته لقنوات تعرض ما لا ينبغي أن يراه، ولكن بعد وصول الإنترنت كان من الصعب عليها فعل ذلك، رغم تأكدها من متابعته لمواقع إباحية.
وتبين: "حذّرت والديّ من سهر أخي المتكرر، وأخبرتهما بمتابعته لتلك المواقع، واقترحت عليهما أن يفصلا الإنترنت ليلًا ويحددا له موعدًا للنوم، ولكنهما لم يتّخذا أي خطوة".
ضيقٌ لا حماية
أما "محمود عيّاد" فيتحدث عن قوانين عائلية لا يمكن تخطيها، إذ يفرض والده عليه وعلى إخوته الدخول إلى غرفهم في الحادية عشرة مساء، ويترك باب غرفته هو مفتوحًا ليراقب تحركات أبنائه إن خرج أحدهم من غرفته، مشيرًا إلى أن هذا الحال لا ينتهي إلا بالزواج والخروج من بيت العائلة، وليس بعمر محدد.
ويوضح: "كان أبي يبرر ذلك بأن السهر يؤثر سلبًا في صحتنا، وبأنه قد يفتح لنا أبوابًا لا تُحمد عقباها، وهذه وجهة نظر صحيحة ولكن ينبغي أن تكون محددة بعمر، فليس من المنطق أن تجد شابًا في الخامسة والعشرين من عمره غير قادر على تحديد وقت نومه، لذا تحوّل الأمر لاحقًا إلى سبب ضيق لا وسيلة حماية".
قيودٌ أقل
وتشير "نوال يونس" إلى أنها توجّه أبناءها نحو النوم مبكرًا، ولكنها تترك لهم مجالًا للسهر في أيام العطل، وفي بعض الأيام التي يطلبون فيها ذلك، حتى لا يصبح السهر بمساوئه جزءًا من "الممنوع المرغوب" بالنسبة لهم.
وتقول: "بما أن أكبر أبنائي الآن في الجامعة وأصغرهم في الحادية عشرة من عمره، فقيودي باتت أقل، ولكن ما لا أتهاون فيه هو فتح باب الغرفة أثناء النوم، ولا أسمح بإغلاقه مطلقًا، خاصة أننا في عصر بات التواصل فيه سهلًا ومتاحًا، فماذا لو قضى أحدهم ليله في استخدام الإنترنت بطريقة سيئة؟!".
الرقابة دومًا
ومن جانبها، تقول الأخصائية النفسية رندة أبو سويرح: "الإنسان بحاجة للنوم لساعات تختلف حسب المرحلة العمرية، فمثلا الطفل قبل عمر خمس سنوات بحاجة للنوم ثماني ساعات، وإن لم ينمها كاملة في الليل، فسيعوّض النقص في النهار، وبالتالي إن تُرك له الحبل على الغارب، فسيكون الاستهتار من سماته، وسيصبح من الصعب عليه الانتظام عند التحاقه بالمدرسة".
وتضيف لـ"فلسطين": "أولا ينبغي تحديد سبب السهر، فقد يكون أرقًا ناتجًا عن مشكلة عضوية، أو بسبب طاقة زائدة، ولهذه المشاكل حلّها، ولكن ربما يكون الأمر مرتبطا بمشكلة نفسية، وهذه المشكلة على الأهل الانتباه لها وحلّها".
وتوضح أن تحديد وقت معين لنوم أفراد الأسرة كقانون لا بد من الالتزام به، قد يكون له تبعات سلبية، كأن يصبح السهر من الممنوعات التي يرغبها الابن، أو حتى إن أراد السهر للدراسة ولا يتمكن من ذلك، لافتة إلى أن الحلول الوسط هي الأفضل، كتحديد نظام عائلي يضمن نوم الأبناء مبكرًا، ولكنه يعطيهم فرصة للسهر أحيانا، كأيام العطل على سبيل المثال.
وتبين أبو سويرح: "مراقبة الأبوين هي الأساس في متابعة سهر الأبناء، وبالذات في مرحلة المراهقة، إذ عليهما عدم النوم قبل نوم الأبناء، وملاحظة سهرهم المتكرر وأسبابه، وأن يكونوا على دراية بكل تفاصيل حياة أبنائهم، خاصة أن آثار السهر سرعان ما تظهر على الشخص كالتوتر وعدم انتظام الحياة اليومية.
وتشير إلى أن السهر يؤثر سلبًا في الصحة، وكذلك في الحالة النفسية، ويؤدي إلى القلق والتوتر وخلل في تفاصيل الحياة، إضافة إلى أن التكنولوجيا تزيده خطرًا.
وتقول: "إن السهر يوقظ الكثير من الأشياء السيئة، كالأفكار السلبية، والاستخدام الخاطئ للتكنولوجيا المخيفة والمزعجة في هذا الوقت، وقد تأخذ الابن إلى عالم آخر فيه الكثير من المفاسد".
وتنبه أبو سويرح إلى ضرورة انتباه الأهل لنوم الابن بالفعل، فمجرد وجوده في غرفته لا يكفي للاطمئنان عليه.
ولا تميل أبو سويرح إلى فكرة فتح أبواب غرف الأبناء ليلًا، لكي لا يشعروا بالرقابة الدائمة، لما لذلك من أثر في جسور الثقة بينهم وبين الأهل.
وتلفت إلى أن وصول الابن إلى عمر الرشد، يعفيه من قيود النوم مبكرًا، ولكن مع استمرار الرقابة، فغيابها يعرض الأسرة كلها للدمار.