وافقت يوم أمس الذكرى الثانية لإطلاق مسيرات العودة الكبرى وكسر الحصار إلى السياج الفاصل بين قطاع غزة والأراضي الفلسطينية المحتلة سنة 48، تأكيدًا على تمسك اللاجئين بحق العودة إلى ديارهم التي هجروا منها قسرًا قبل عشرات السنين، ومطالبة برفع الحصار الإسرائيلي المفروض منذ 2006.
عشرات آلاف المواطنين شاركوا في المسيرات السلمية التي قمعها جنود جيش الاحتلال بعنف شديد، واستخدموا الرصاص بأنواعه، وفي مقدمتها المتفجر.
لكن ذلك قوبل بإقبال شديد من المشاركين في المسيرات السلمية، وهو ما عدَّه متحدثان تجسيدًا لحالة الوعي الوطني والسياسي لدى الشعب الفلسطيني، الذي ترجمه المشاركون بالمشاركة الدورية في المسيرات السلمية، وهو ما أعاد قضية فلسطين إلى الواجهة وصنع منها خبرًا عالميًا.
وجاء إطلاق المسيرات بعد أشهر من إعلان رئيس الإدارة الأمريكية دونالد ترامب، القدس المحتلة عاصمة لـ(إسرائيل)، وتحديدًا في 6 ديسمبر/ كانون أول 2017، ضمن ما تسمى "صفقة القرن"، التي أعلنها من داخل البيت الأبيض في 28 يناير/ كانون الثاني 2020.
وأكد عضو الهيئة الوطنية لمسيرات العودة وكسر الحصار القيادي في حركة الجهاد الإسلامي أحمد المدلل، أن المسيرات أعادت الحضور للقضية الفلسطينية عندما أراد العالم الظالم محو قضية فلسطين من الذاكرة العربية والإسلامية والذاكرة الدولية كذلك.
ونبَّه المدلل إلى أن الاحتلال مارس أبشع أنواع الجرائم بحق الشعب الفلسطيني على مدار سنوات الاحتلال، محاولاً إنهاء القضية، "وجاءت بعدها صفقة القرن وهي الأخطر لتصفية قضية فلسطين".
ولهذا انبثقت المسيرات عندما أرادت أنظمة عربية تثبيت أركان الاحتلال على أرض فلسطين، من خلال إقامة العلاقات الدبلوماسية والتطبيع الاقتصادي والرياضي، وفق المدلل.
وأضاف: "أحجم بعض العرب أمام هذه الملحمة التي سطرها المتظاهرون المشاركون سلميًا في مسيرات العودة"، مشيرًا إلى أن المسيرات سبب رئيس لحالة التخبط السياسي التي يعيشها الاحتلال الإسرائيلي.
وشدد على أن النضال الفلسطيني ما زال مستمرًا بكل أشكاله، وهي متعددة ولا تنعدم، مبينًا أن جيش الاحتلال عندما حاول تغيير قواعد الاشتباك، كانت قوى المقاومة حاضرة في ميدان الصراع للرد على انتهاكات الجيش وإيغاله في دماء المدنيين.
وحول إنجازات المسيرات وانعكاس إيجابياتها على القضية الفلسطينية مستقبلاً، قال المدلل إن المسيرات صنعت حالة وعي كبير لدى الشعب الفلسطيني، وأظهرت تشبثه بأرضه المحتلة، وعدم التنازل عن حقوقه، وأن القضية ستبقى حاضرة على الطاولة الدولية، ولن يستطع جيش الاحتلال الإسرائيلي بجرائمه كسر إرادة الشعب الفلسطيني الذي يواجه مؤامرة "صفقة القرن"، مشددًا على أن مسيرات العودة مستمرة.
توعية وتحفيز
من جهته قال المحلل السياسي د. أحمد عوض، إن المسيرات لعبت دور التحريض والتوعية والتحفيز والتحشيد وتنفيس الغضب وتحويله لعناوينه الصحيحة، وإعادة صياغة المشهد الكلي للقضية الفلسطينية.
وأكد عوض أنها طرحت قضية فلسطين بقوة أمام الوعي الأمني والسياسي الإسرائيلي، وحققت إنجازات على المستويين الميداني والسياسي.
وأضاف أنه في الوقت الذي بدأ فيه العالم يتخلى عن القضية الفلسطينية نجحت المسيرات في أن تصبح خبرًا عالميًا، وأسست لعلاقة مختلفة مع الاحتلال الإسرائيلي، وتأثرت بها مستوطنات الغلاف، وأوجدت تغييرات عميقة في حكومة الاحتلال وجمهور المستوطنين الإسرائيليين.
وتابع أن المسيرات صنعت حركة كبيرة في كل مكان على المستوى المحلي والإقليمي والعربي، ولا يمكن إغفال هذه التجربة ودورها إطلاقًا أو إيقافها أو تجاهلها، موصيًا بضرورة تكرارها.
وعد أن مسيرات العودة تجربة شكلت تاريخا للشعب الفلسطيني كأحد أهم الحراكات الجماهيرية الفلسطينية في الصراع مع الاحتلال، مشيرًا إلى أهمية استمرارها، والاستفادة منها فيما سيأتي لاحقًا.
وقال إن "إطلاق المسيرات تجربة مهمة يستفاد منها ويمكن تطويرها، وأصبحت لدى الشعب الفلسطيني خبرة تاريخية ربت أجيالا وأوجدت تراكم إنجازات، ومستقبلاً ستكون جزءًا من أدوات أخرى لصنع المستقبل بدولة فلسطينية مستقلة عاصمتها القدس".
وحول إن كانت المسيرات أوصلت رسالة الشعب الفلسطيني للمجتمع الدولي، قال الكاتب والمحلل السياسي: "أوصلتها بقوة، ويتجلى ذلك من خلال المطالبات برفع الحصار، وتسيير القوافل التضامنية والإغاثية للشعب الفلسطيني، وحملات التعاون والدعم والإسناد من السياسيين والأكاديميين والنشطاء الدوليين لحق هذا الشعب بدولة مستقلة".