طلت مذيعة أردنية قبل فترة وانتقدت الوضع في غزة, انتقدت الحجر الصحي، ووصفته بالإهانة, وقالت كلامًا لا يستحقه أهل غزة.
لست بمعرض الرد على أحد أبدًا, ولكن تلك البنت حين تحدثت أوجعتني جدًّا، لأن من يريد أن يتحدث عن غزة فعليه قبل أن يتحدث عنها أن يعبر ألف نفق، وأن يمشي في مخيم الشاطئ, وأن يأكل من الشطة هنالك, وأن يتفادى قذيفة عابرة سقطت في الشجاعية.
من يريد أن يتحدث عن غزة, عليه أن يراقب عملية ولادة, فالأطفال هنالك يخرجون للحياة برتبة شهداء، ولا يخرجون للحياة بمسمى طفل أبدًا، وحين يكبرون قليلًا لا يوجد (لهايات) لهم, فالحليب مفقود كثيرًا, والأمهات هنالك لا يضعن أحمر الشفاه كثيرًا، ولا يتبرجن كثيرًا, وظيفتهن إرضاع الأطفال.
الأم الغزية تركز على ذلك فحليبها لا يوجد فيه (الكازين) بل يوجد أحمد ياسين، لا يوجد فيه (اللكتوفرين) يوجد فيه بعض القذائف التي تطلق بمدفع هاون صنع في ورشة قديمة على أطراف مخيم المغازي, ولا يوجد فيه مصل الـ(البومين)، بل يوجد فيه فلسطين، حاضرة, ويوجد فيه بعض البارود، فهو سيكبر حتمًا ويتعلم قاعدة في الحياة تقول: (بوصلة لا تشير إلى فلسطين كافرة).
غزة لا تحتاج لمقاومة (الكورونا) بل تحتاج لأن نشعر بشعب من أعوام وهو تحت الحجر بقرار أممي وبتواطؤ من العالم, والمصاب هنالك لا يحتاج لمستشفيات، يحتاج فقط لأن تديروا سريره للبحر فقط, وأن تخففوا من صوت الصفيح في المخيم حين يلعب به الهواء, ويحتاج لأن يقرأ سورة (الضحى) قبل النوم وسيهزم الكورونا، من هزم الـ إف (14)، من هزم القذائف الفسفورية، من هزم كتائب الحقد اليهودي, من هزم آلاف الأطنان من الحديد وهي تهرس الجثث, من هزم الحقد والأنانية والصلف، من حفظ للعروبة هيبتها وللدين وقاره، حتمًا سينتصر على الكورونا، حتمًا سيهزمه.
غزة لا تحتاج لرأفة مذيعة, ولا تحتاج لسخريتها، غزة المدرسة التي شيد أسوارها أحمد ياسين, وأحمد، مثل الآيات التي تتلى في الهزيع الأخير من ليل المتهجد, أحمد نجمة لا يصلها نظر, وأحمد هو طهر كل مئذنة في غزة, وهو النار التي تخرج من فوهات البنادق, وهو الشهيد الحر النقي، وكل موجة حين ترتطم بشواطئ بحر غزة, تترحم عليه، أي أمة تلك التي جعلت الموج ينطق غير أهل غزة!
لا تهتموا لغزة, فالشهداء هنالك بركتهم وحدها كافية, وكفيلة بعلاج كل مصاب، والبنات هنالك مثل نخل غزة يصعدن الفضاء باسقات شامخات, غير أنهن يختلفن عن نخلها بأن النخل يرمي التمر والبلح، هن قررن عجرفة على الجلاد, وتحديًا للتاريخ، بأن يلدن الشهداء, كل طفل هو مشروع شهيد، كل رحم هو مصنع للشهداء، وكل جديلة في غزة هي سياج للعروبة والدين والأرض والعرض.
لا تخافوا على غزة, وأدعو الإعلام العربي، المضمخ بالمكياج وأحمر الشفاه والكحل الخائن، نعم فالكحل حين يكون مزيفًا يخون الأنوثة والحياة, أدعو الإعلام العربي ألا يخاف على غزة، لأن هذه الأرض فيها (زلم) بمعنى الكلمة، وبحجم البنادق, وفيها اختصرت قصة الدم والشهداء، وفيها فلسطين حاضرة في كل طلقة وكل صلاة وكل نظرة, وكل صرخة ألم لحظة ولادة طفل، حاضرة حتى في القهوة والماء, حتى في النفس ودمع العين.
حمى الله غزة.