بعيدًا عن أي توصيفات أدبية وبموضوعية مجردة، لقد بات أسرانا في غاية الخطر وذلك لمكامن الخطر الآتية:
• الأسرى على احتكاك مباشر مع مجتمع موبوء بهذا الفيروس من خلال احتكاكهم بالسجانين والمحققين وعناصر إدارة مصلحة السجون، وهؤلاء قادمون من الخارج والعلاقة بينهم وبين من يسجنونهم علاقة عداء، وعليه فإن فرصة دخول الفيروس للسجون فرصة ذهبية وذات إمكانية عالية.
• بيئة السجون بيئة حاضنة للأوبئة والأمراض: حيث إنها مكتظة وبتهوية سيئة، مساحة غرفها تتجاوز المساحة المتعارف عليها دوليًّا بكثير، فيُحشر فيها عادة ضعفا طاقة الغرفة، إضافة إلى أن يكون الحمام فيها واستخدامها لعدة وظائف معًا، فهي غرفة للنوم وللأكل وللصلاة وللرياضة أحيانًا، وكذلك ساحة السجن ضيقة جدًّا بالنسبة للعدد الذي يطوف فيها في ساعة الخروج من الغرف فساحة عسقلان مثلًا كانت بمساحة ملعب كرة سلة ليخرج إليها قرابة مائتي أسير فجاؤوا وقسَّموها إلى أربعة اقسام فأصبحت ضيقة جدًّا إضافة إلى العلو الشاهق لأسوارها، وإضافة إلى سقفها بالحديد الذي يزيد من الخناق عليها. كذلك فالبيئة في منطقة صناعية، في حين مثلًا مجمع سجون الرملة: "نيتسان، والذي يسمى المشفى، ونفيتيرتسا المخصص للنساء والمعبار"، كلها في منطقة تجمع مجاري لتلك المنطقة. أضف إلى ذلك أن هناك من السجون من العهد البريطاني القديم حيث تنخر جدرانها الرطوبة القاتلة.
• من المعروف أن مقاومة الأمراض والأوبئة بحاجة إلى تغذية صحية، أما السجون هم أبعد ما يكون عن هذه التغذية، عادة يأتي متعهد السجون للخضار والفواكه أسوأ ما في السوق، تأتي غالبًا بالذي تعفن أو قريب من التعفن، ويأتي باللحوم المجمَّدة في أسوأ ما في السوق ومن النقانق الرخيصة التي لا يعرف لها أصل هل مصدرها دجاج أم سمك أم خليط، المهم يأتي ما تمنع خروج رائحته كثرة المواد الحافظة القاتلة، وعن الدجاج الوجبة الأسبوعية ما إن يدخل القسم إلا وتفوح رائحته الكريهة ويأتون بالجزء الذي لا تستوعبه أسواقهم "مؤخرة الدجاجة"، أما ما يسمح بشرائه من الكنتينا فأغلبه معلبات بعيدة كل البعد عن الغذاء الصحي، أغذية ذات وصفة مناسبة جدًّا لانتشار الأوبئة.
• الأوضاع النفسية والضغط المتواصل وفنون التنكيل والإجراءات القمعية السادية التي تبقى سيفًا مصلتًا على رقاب أسرانا تشكل حاضنة مناسبة جدًّا لإضعاف المناعة وتسلل الأمراض والأوبئة، وهذه كثيرة يضيق بها المقال لو أردنا تعدادها، ولكن على سبيل المثال عندما يصل الأسير على حافة الأفراج عدة مرَّات ثم يعاد لسنوات طوال كما حدث مع الأسرى المؤبدات، عندما كان الحديث السياسي يصل بهم إلى قرب الإفراج ثم يقع الخذلان لينتظر فرصة قادمة بعد عدة سنوات، مثلًا أسرى الدفعة الرابعة هؤلاء مرُّوا بما يزيد على عشر فرص ثم كانت الأخيرة ولم يحظوا بالإفراج، أي ضغط نفسي يتصور بعد هذا، كذلك أسرى صفة وفاء الأحرار الذين أعيد اعتقالهم، وأسرى الاعتقال الإداري حيث الحرب النفسية المعروفة على الأسير وأهله في عملية تجديد الحكم المتكرر.
• العلاج والتعامل مع المرض والمرضى فيه من الإهمال المبرمج ما فيه، فالأسير المريض يعاني السجن نفسه، وحرمانه من العلاج الصحيح والمماطلة المريرة سواء كان ذلك في تشخيص المرض أو علاجه، وما ثبت من تجربة الأدوية لصالح شركات أدوية إسرائيلية، فهذه متوفرة في الوضع الطبيعي، فما بالنا إذا انتشر وباء وصارت الحالات التي تحتاج إلى الرعاية كثيرة، السجون غير مؤهلة بتاتًا من حيث الأمكنة المجهزة أو الطواقم الطبية المتلائمة مع عدد الأسرى الكبير.
• مواد التنظيف والمعقمات وظروف السجون الملائمة جدًّا للأوبئة والأمراض من حيث الرطوبة وقساوة البرودة شتاء دون توفر أي تدفئة، وفي الصيف القائظ سجون بنيت خصيصًا لتعذيب الأسرى في بيئات قاسية مثل نفحة وريمون والنقب شديد البرودة شتاء والحرارة صيفًا، شطة وجلبوع في أجواء الأغوار شديدة الحرّ صيفًا.
هذا فيض من غيض، السجون الإسرائيلية غير مؤهلة صحيًّا في الوضع الطبيعي، فما بالنا في ظل انتشار وباء مثل فيروس الكورونا حيث يتوقع أن تكون الأوضاع مأساوية والضحايا دون أي تهويل في غاية الرعب. لذلك يجب أن يجري حاليًّا الضغط على سلطة الاحتلال من أجل إطلاق سراح الأسرى أو على الأقل التخفيف من حالة الاكتظاظ المهولة التي تشهدها هذه السجون.