فلسطين أون لاين

«فلسطين» ترصد العمل في الخط الأول لمواجهة «كورونا»

تقرير أخصائيو «البيولوجيا الجزيئية».. العمل في «حقل الخطر»!

...
طواقم وزارة الصحة تعمل في المختبرات لفحص العينات (أرشيف)
غزة- يحيى اليعقوبي

داخل غرفة «العزل» .. بحذر يسحب الأخصائي هاني المقيد، العينة المخبرية في أولى مراحل فحص الحالات المشتبه بإصابتها بفيروس كورونا (كوفيد 19) وأخطرها حيث يكون الفيروس حيَّاً والخطورة عالية فيجلس أمام جهاز الفحص، محتميا بملابس طبية بيضاء، فالخدمة المقدمة أشبه بالسير في حقل «الخطر»؛ فأمامه فيروس محتال، لا مجال للخطأ، للاستهتار، لعدم التركيز.

كانت صحيفة «فلسطين» حاضرة لترصد ظروف العمل فيه .. «ممنوع الدخول .. منطقة عدوى» تنبهك هذه اللوحة الملصقة على باب مختبر الفحص المركزي في الطابق الثالث بعيادة الرمال بمدينة غزة، بالمرة الأولى ثم تجدها على باب ثان وثالث يقابلك قبل أن تصل إلى غرفة «العزل» بقسم «البيولوجيا الجزيئية».

غرفة العزل

اصطحبنا المقيد وهو أخصائي قسم  البيولوجيا الجزيئية  إلى داخل غرفة العزل، يتوقف عند جهاز  يشبه الصندوق على طاولة بداخل أنابيب يعزلها زجاج، وبينما هو على تلك الهيئة قال: «التعامل الخطر يكون هنا بالمرحلة الأولى لأننا نستخرج في هذا الجهاز المادة الجينية من الفيروس، ويكون حيا لكننا نتعامل معه بإجراءات السلامة بتغطية الجسم، وارتداء نظرات، وكمامة «N95» حتى لا يصل الفيروس للجهاز التنفسي (..) هذه الغرفة مجهزة بكامل إجراءات السلامة».

ينتقل لجهاز أسود اللون حديث المواصفات بداخل الغرفة متصل بحاسوب وشاشة، وبداخله أنابيب خلف عازل زجاجي، يواصل الشرح: «الخطوة الثانية، تتعلق بتحضير مواد الفحص، ثم وضعها على هذا الجهاز (PCR) ومتابعة البيانات الصادرة وإخراج النتائج وهذه العملية تستمر لمدة ست ساعات».

وبعد ظهور الفيروس بدأ المختبر حالة طوارئ لكافة العاملين، لا يفر ذلك من كلام المقيد قائلا: «نعمل حتى منتصف الليل، أول أمس داومت من الصباح حتى العاشرة مساءً، نمت عدة ساعات، وعدت للعمل في اليوم التالي الساعة السابعة صباحا .. نعمل حاليا أثني عشرة ساعة متواصلة».

«أمضينا 16 يوما في ضغط عمل، نرى أطفالنا قليلا، يخافون علينا لأننا نشعر بالخوف ومن الطبيعي أن يصلهم القلق».. ما قاله هنا يجعلك تتوقف عند حجم دورهم.

أمامك تتنقل أخصائية التحاليل أحلام الطيبي بين الغرف، تتفقد الأجهزة، وبعض الأنابيب، وأوراق وملفات،  أيعرف أطفالك أنك تعملين بفحص «الكورونا»!؟ .. الضحكة التي أخرجتها هنا، اختصرت الإجابة، لكنها فسرت أكثر: «صحيح؛ يعرفون وأنني معرضة للخطر، دائما يدعون لي: «المولى يحميك يا ماما»، لكننا عملنا في الحروب قبل ذلك واعتداءات الاحتلال على غزة، فوزارة الصحة الوحيدة التي لا تعرف الاجازات».

يذكرها الكلام بموقف عائلي طريف: «ابني الصغير عبد الرحمن يقول لي: ماما؛ كورونا مش كورونا مش حبعد عنك، لأن أولادي الأربعة أحيانا يخافون الاقتراب مني بالبيت كوني أعمل هنا».

«لدي أربعة أطفال بينهم بنت واحدة؛ أفتقدهم فحينما أعود متعبة في المساء أجدهم ينتظرونني للحظات، ثم نخلد للنوم، واستيقظ في الصباح وهم نائمون».. هكذا يمضي أخصائيو التحاليل  أوقاتهم في جدول طوارئ لنحو 12 ساعة عمل يوميا.

20 عامًا

داخل إحدى غرف المختبر، تنهمك أخصائية التحاليل عهود صرصور، في تحضير أوراق وملفات على مكتبها، فمنذ عشرين عامًا تعمل هنا، يوميا تأتي لدوامها من منطقة دير البلح وسط قطاع غزة، تستيقظ فجرا تحضر نفسها وتنطلق إلى المختبر ليبدأ دوامها الساعة السابعة والنصف صباحا في الوضع الطبيعي، لكنها اليوم تضطر للتأخر في جدول «الطوارئ» كحال زميلتها أحلام وبقية الأخصائيين هنا.

عهود هي الأخرى تدفع ضريبة مواجهة «كورونا» في علاقاتها الاجتماعية، لا تخفي ذلك متفهمة الأمر: «الحقيقة أهلي يخافون، خاصة حينما عرفوا ظهور حالات مصابة بالفيروس قمنا بفحصها هنا بالمختبر، لكن لما شاهدوا صوري باللباس الخاص الطبي، شعروا بالاطمئنان (..)لا ينامون إلا حينما أصل البيت حتى لو عدت الساعة العاشرة مساءً».

طاقم مدرب

بينما كان مدير عام الإدارة العامة للخدمات الطبية المساندة بوزارة الصحة، د. أيمن الحلبي منشغلا في تلقي اتصالات، ومتابعة سير العمل، قال لـ «فلسطين»: إن المختبر المركزي يختص بتقديم فحوصات مخبرية نوعية، جزء منها الفحوصات الفيروسية ومنها «الكورونا»، وأجرينا تعديلات إضافية عليه مع بداية الأزمة ليتوافق مع معايير منظمة الصحة العالمية فيما يتعلق بالسلامة، الأجهزة التي يتم الفحص عليها تعمل بكفاءة والطاقم مدرب على مستوى عال.

حسبما يذكر الحلبي، أن هناك حاجة لنحو ألفي عينة فحص الفيروس للتعامل في مرحلة من المراحل، خاصة أن الكمية الحالية الموجودة تكفي لخمسين عينة، «راسلنا جهات مانحة ووزارة الصحة برام الله لكن الاستجابة ليست بالمستوى المطلوب وجزء من التبرير أن المادة شحيحة على مستوى العالم».

تبادل خبرات

مدير دائرة المختبرات بوزارة الصحة د. عميد مشتهى يوميًا يزور المختبر للتأكد من سير العمل، يقول: يفوق عدد الفحوصات التي تجريها الوزارة عن 5 مليون فحص سنويا».

ولدى الوزارة 37 مختبرا في الرعاية الأولى، ومختبر للصحة العامة لفحص المياه والأطعمة، والخدمة الثالثة المختبر «المركزي». بحسب مشتهى.