في حضرة الشهداء العظام تختفي الكلمات وتتناثر الحروف بين جنبات صنيعهم، فمن مقارعة الاحتلال إلى الاعتقال إلى الحرية والعودة مجدداً لردعهم، هي حكاية الشهيد القسامي القائد مازن فقها.
فلا السجن أضعفه، ولا السجّان أرهقه، ولا القيد فتّ من عضده، ولا التهديد أرهبه، فهزم لوحده جيشاً كانت جيوش العرب بالأمس القريب منه ترتعد، ومن كان كتاب الله أنيسه في صغره، فإن درب الجهاد والمقاومة حتماً سيكون سبيله لتحرير وطنه المسلوب فلسطين.
بداية الحكاية
انضم الشهيد القائد القسامي فقها إلى صفوف كتائب الشهيد عز الدين القسام خلال دراسته الجامعية، ورافق القادة سليم حجة، والشهيد قيس عدوان، وكريم مفارجة وهاشم النجار وحامد أبو حجلة، والمهندس مهند الطاهر، والشهداء القادة محمود أبو هنود، ويوسف السركجي، والاستشهادي محمد الغول.
في العام 000م، أقدمت أجهزة السلطة في الضفة على اعتقاله ثلاث مرات، بتهمة مقاومة الاحتلال وامتلاك مواد متفجرة كان يهم الشهيد بنقلها إلى قيادة القسام في مدينة جنين.
عاودت أجهزة السلطة اعتقاله لأكثر من شهر في العام 2001، وأفرج عنه بضغط من أهالي مدينته، بسبب نية قوات الاحتلال التقدم تجاه السجن الذي كان معتقلاً فيه، وبعدها أصبح مطارداً للاحتلال.
جهاده
بعد خروجه من سجون السلطة عمل القائد فقها على إعادة بناء الخلايا القسامية في طوباس، وتولت تلك الخلايا استهداف الجنود والمستوطنين في الأغوار، وأسفرت تلك العمليات عن مقتل العديد من الجنود والمستوطنين.
كما شارك في محاولة فك حصار جيش الاحتلال عن الشهداء القادة القساميين (قيس عدوان، سائد عواد، محمد كميل، مجدي بلاسمة، أشرف دراغمة، منقذ صوافطة)، في معركة استمرت لأكثر من 7 ساعات.
بعد معركة جنين البطولية، أعاد الشهيد فقها برفقة الشهيد القائد نصر جرار على بناء خلايا القسام في جنين بعد استشهاد عدد كبير منهم خلال المعركة.
صفعات قاتلة
وجه القائد "فقها" صفعات قاتلة للاحتلال داخل الأراضي المحتلة، فأشرف على عملية (مفرق بات) الاستشهادية على مقربة من مستوطنة (جيلو) بالقدس عام 2002، التي قتل خلالها 19 إسرائيلياً وجرح العشرات، ونفذها الاستشهادي القسامي محمد هزاع الغول من مخيم الفارعة المحاذي لطوباس.
كما شارك في الإعداد لعملية صفد التي كانت رداً على اغتيال الشيخ صلاح شحادة، والتي نفذها الاستشهادي القسامي جهاد حمادة من الأردن، والتي قتل فيها حوالي 15 جندياً إسرائيلياً وأصيب العشرات من الجنود وكان معظمهم من خبراء مفاعل ديمونا، وأتت العملية رداً على استشهاد الشيخ صلاح شحادة.
واتهمت دولة الاحتلال الإسرائيلي الشهيد فقها، بالمسؤولية عن أسر المستوطنين الثلاثة بالخليل عام 2014، وقيادة خلايا كتائب القسام العاملة في الضفة الغربية المحتلة خلال انتفاضة القدس.
اعتقال وتعذيب
اعتقل الشهيد فقها في 5/8/2002، بعد معركة استمرت 6 ساعات، وبعدها بيومين قدم الاحتلال إلى المنزل واعتقلوا والده وشقيقه مدة 12 يوماً، وفي تلك الليلة تم زرع محيط المنزل بالديناميت وتفجيره بالكامل.
مكث الشهيد فقها لمدة 40 يوم داخل العزل الانفرادي و90 يوماً في التحقيق وتعرض لجميع أنواع التعذيب حتى كان في بعض الأحيان يفقد الوعي، ولم يعترف بأي تهمة وجهت إليه، وحكم عليه بالسجن تسع مؤبدات وخمسين عاماً إضافية.
حرية وشهادة
حرر الشهيد فقها من سجون الاحتلال في صفقة وفاء الأحرار القسامية عام 2011 تزوج بعدها وأنجب طفلين.
ومساء الجمعة 24-3-2017م طالته أيدي الغدر الآثمة، وارتقى شهيداً على تراب أرضٍ عشقها وتنفس فيها طعم الحرية، وها هي اليوم تأويه شهيداً بإذن الله.