لا تفتقر الصحف الإسرائيلية ووسائل الإعلام المختلفة إلى تقارير متواترة عن توظيف رئيس حكومة الاحتلال، بنيامين نتنياهو، لديماغوجيته الدعائية الناجحة، عمليًا، في كل اتجاه ممكن لترسيخ بقائه في الحكم، خلال سلسلة متتالية من حملات التحريض الدورية ضد كل ما يشخصه نتنياهو كمصدر خطر على بقائه في الحكم. فقد بدأ نتنياهو حملاته ضد اليسار ووسائل الإعلام منذ أول حملة انتخابات خاضها مقابل شمعون بيرس عام 1995، عندما سُمع وهو يهمس في أذن كبير الحاخامات الصوفية يتسحاق كدوري وهو يقول له إن اليسار نسي ما معنى أن يكون يهوديًا، وأتبع ذلك بشعار "نتنياهو جيد لليهود".
بعد أن كرّس تهمته تلك لليسار، تمكّن نتنياهو على مر السنين من وصم الإعلام الإسرائيلي بأنه محكوم بأيدي اليسار ونخبه، وصولًا في الفترة الأخيرة إلى الانقلاب على الشرطة الإسرائيلية والنيابة العامة وجهاز القضاء، واتهام هذه الأجهزة كلها بالتواطؤ مع اليسار لإسقاطه من الحكم. لكن نتنياهو لم يتورع في تحويل وباء خطير مثل كورونا إلى خشبة خلاص تمكّنه أخيرًا من "التنكيل" بمؤسسات الحكم وسلطاته المختلفة، وتجيير هذا الوباء لخدمة بقائه في الحكم، من دون أن يهمل أو ينسى التحريض على العرب.
استغلّ نتنياهو الوباء وتفاقم انتشاره في (إسرائيل) بشكل مضطرد من عشرات المصابين إلى مئات حاليًا، لمحاولة الانقلاب على النتائج التي أفرزتها الانتخابات، عبر تمرير أوامر الطوارئ الجديدة، بما يعرقل الحياة السياسية العامة ويبقيه الحاضر الرئيسي واللاعب الأساسي في المشهد الإسرائيلي الذي يقود حربًا ضد الوباء، بينما يصارع خصومه لإسقاطه من الحكم بكل ثمن.
الأسبوع الماضي خطا نتنياهو خطوة أخرى لتجيير الوباء له عبر قرار رئيس الكنيست، يولي إدلشتاين، يوم الأربعاء، إغلاق الكنيست وتعليق مداولاته حتى غدًا الاثنين، وإصدار أوامر للشرطة لاعتراض مسيرة سيارات احتجاجية ضد قرار إغلاق الكنيست، رفعت عليها أعلام سوداء تنعى ما تبقّى من الديمقراطية، بحجة أن المتظاهرين يعرّضون صحة الجمهور للخطر.
اعتراض مسيرة التظاهر فاجأ الإسرائيليين مع أنه سبقته عمليات اعتراض واعتداءات كثيرة على تظاهرات مدنية وسلمية لفلسطينيي الداخل، لأن عنصريتهم الدفينة افترضت أن ما يجوز بحق العرب لا يجوز بحق اليهود، لكنهم فوجئوا بأن نرجسية نتنياهو وتوقه للبقاء في الحكم لا يميزان عند الحاجة بين متظاهرين يهود ومتظاهرين عرب، وأن كل الأسلحة متاحة لذلك، بما فيها وباء يهدّد بحصد أرواحهم.
عرب 48