استطاع زمن الكورونا أن يغيّر كثيرًا من المفاهيم الجمعية والشخصية، فبعض الدول التي استهترت وتأخرت وأهملت الإجراءات الصحية، تخسر اليوم كثيرًا من الأرواح، ولا زالت تنزف، وهناك دول استطاعت بالحماية الجماعية أن تنجو وتنقذ مجتمعها من الهلاك كما هو الحال اليوم في الصين التي بدأت تتحرك نحو مساعدة الآخرين.
تجربة انتشار مرض الكورونا لها ما بعدها، وما يحدث سيترك تأثيره على البشرية لاحقًا وخاصة أننا لا زلنا في ذروة المواجهة بين الوباء والبشرية، وكي نضمن الانتصار الفردي والجماعي بحاجة لتكاثف واهتمام يبدآن من تغيير سلوك الشخص ذاته بالشعور بالخطر الفعلي الذي لن يدفع ثمنه الشخص من حياته فقط بل أسرته ومحيطه ومجتمعه، ولا يعرف أن يقف، وبين المسؤولية المجتمعية التي بحاجة لتكاثف وتعاون للسير نحو النجاة.
الحماية الشخصية مهمة، لكن من يخترقها بحاجة لمواجهة وحجر من الجهات المعنية التي يقع على عاتقها حماية المجتمع، ولتفصيل الحديث عن قطاع غزة الذي لا زال خاليًا من الكورونا كما أعلنت الجهات الصحية، لكن هذا مدعاة لمزيد من الإجراءات التي ترتبط بمنع التجمعات بأشكالها المختلفة، بل والأخذ على يد من يقيمها، حتى وإن كانت لم تعلن أي حالات، وهذا يدعو الجهات المعنية للتشديد أكثر لأن ما نخسره الآن اقل بكثير مما سنخسره لا قدر الله في حال انتشاره.
الحماية هنا بالمبادرة الشخصية والتثقيف الشخصي والتوعية في السلامة من وصول المرض للأشخاص، وكذلك الجماعية بالحماية وفرض النظام والإجراءات، وهنا أيضًا المبادرة في توفير الإمكانات المادية لمن يتم حجرهم في قطاع غزة، ومتابعتهم وتوفير الرعاية لهم، ويسجل هنا التقدير للعديد من الشركات والمؤسسات والهيئات التي بادرت بذلك، وقدمت يد العون، مما أحدث تطورًا إيجابيًّا في رعاية المحجورين في ظل واقع صعب تعاني منه المؤسسات الحكومية نتيجة الحصار، أيضا يسجل لها أنها تدير العملية باقتدار وتوفر كل الإمكانات البشرية والمادية لذلك.
في غزة نموذج آخر للتكاتف المجتمعي والمسؤولية الفردية والجماعية، وتحتاج لتعزيز، ولا يعفى أي شخص أو طرف منها، بالوقوف جنبًا إلى جنب، وخاصة أن ما نطّلع عليه أن الجهات الرسمية والحركية لحركة حماس تدير الأمر على مدار الساعة وتوفر كل ما تملك لمواجهة الفيروس، ويقود تلك الجهود رئيس الحركة في غزة يحيى السنوار، ويتابع ويتواصل مع العديد من الأطراف إسماعيل هنية رئيس الحركة المتواجد في الخارج حاليًا.
في الجانب الآخر لا زال موقف السلطة سلبيًّا، بعدم التعاون أو تقديم العون لقطاع غزة للمساعدة في مواجهة الوباء، حيث إنها لم تقدم أي شكل من أشكال المساعدة الصحية أو الطبية، أو حصة قطاع غزة من المساعدات التي قدمت لشراء الأجهزة والمعدات والمستلزمات الطبية، وهو يدعو للغرابة من موقف السلطة التي يفترض أن تنسق وتتعاون أكثر مع الجهات الحكومية في غزة، وهو خلاف ما تم بينها وبين الاحتلال بإقامة غرفة عمليات مشتركة لمواجهة الأزمة.