فلسطين أون لاين

كورونا يقضي على ترامب

...
(أرشيف)

حين كتبت في يناير/كانون الثاني عام 2016، أنني لن أصوت أبداً لصالح دونالد ترامب رغم كوني جمهورياً عمِل في إدارات الحزب الجمهوري الثلاث السابقة، ورغم أن إدارة ترامب تتماشى مع وجهات نظري السياسية أكثر من هيلاري كلينتون؛ أصيب كثير من أصدقائي الجمهوريين بالارتباك.

إذ كيف يمكن ألا أصوِّت للشخص الذي تتوافق سياساته مع وجهات نظري أكثر من منافسه؟

وأوضحتُ حينها أن ترامب لا يصلح في الأساس لتولي الرئاسة، فكرياً وأخلاقياً ومزاجياً ونفسياً، وقلت ذلك في أكثر من مناسبة. وبالنسبة لي يُعَد هذا هو المعيار الأساسي أثناء انتخاب رئيس أمريكا، لأنه من المنطقي توقُّع أن يواجه الرئيس أزمةً غير متوقعة في بعض الأحيان، وحينها ستكون حكمة الرئيس، وفطنته، وشخصيته، وقدرته على القيادة هي كل ما يهم فعلياً وليس سياساته.

وقلت تحديداً قبل أربع سنوات: “لا يملك ترامب أي رغبةٍ في إطلاع نفسه على غالبية القضايا المهمة، فضلاً عن فهمها وحلّها. لم يسبق أن نرى مرشحاً رئاسياً بارزاً يزدري المعرفة، ويتجاهل الحقائق، ولا يبالي بضلاله بهذا القدر”.

وأضفت حينها أيضاً:

“إن مزيج ترامب الخبيث من الجهل، وعدم الاستقرار العاطفي، والديماغوجية، والأنانية، وحُب الانتقام سوف يؤدي إلى فشله، وربما يرقى في النهاية على الأرجح إلى مستوى الكارثة الوطنية. ويجب أن تسبب فكرة انتخاب دونالد ترامب قائداً أعلى للأمة الأمريكية رعشة خوف وقلق في صدر كل أمريكي”.

الآن، وصلت الكارثة الوطنية في شكل وباء فيروس كورونا، ومن الصعب أن نجد رئيساً ارتبك وسيطر عليه القلق بسبب أي أزمة في التاريخ الأمريكي، مثلما هو حال ترامب مع  فيروس كورونا.

من المؤكد أن ترامب ليس هو المسؤول عن فيروس كورونا، ولم يكن باستطاعته منع المرض من ضرب شواطئنا حتى لو فعل كل شيءٍ بالطريقة الصحيحة. ولن نقول إن الرئيس عجز عن فعل شيءٍ صريح، إذ كان قراره فرض حظر السفر على الصين قراراً حصيفاً. ولن يكون من العادل مطلقاً تبنّي الروايات التي تحاول تحميل ترامب وحده المسؤولية عن فيروس كورونا. ويجب علينا أن نقاوم رغبة نُقّاد الرئيس في استغلال الجائحة للانتقام منه على كل الأشياء السيئة التي فعلها، فالشماتة ليست من شيم السادة.

ومع ذلك، فإن الرئيس وإدارته هم المسؤولون عن أخطاء فادحة ومكلفة، نذكر منها على وجه الخصوص:

 الإخفاقات الرهيبة في تصنيع اختبارات تشخيص الإصابة.

 قرار إجراء الاختبارات لعدد قليل جداً من السكان.

التأخير في توسيع نطاق إجراء الاختبار إلى المعامل الأخرى خارج “مراكز مكافحة الأمراض والوقاية منها” والمشكلات في سلسلة التوريد.

وتركتنا تلك الأخطاء في حالةٍ من العمى وتأخرنا كثيراً عن ركب مكافحة كورونا بضعة أسابيع، مما خلق شعوراً زائفاً بالأمان. وما نعرفه الآن هو أن فيروس كورونا انتشر في صمت لعدة أسابيع، دون أن نعلم بذلك ودون أن نفعل شيئاً لإيقافه. وكان من شأن جهود الاحتواء والتخفيف من حدة انتشار المرض أن تبطئ انتشاره في مرحلةٍ حرجة ومبكرة، لكننا أهدرنا تلك الفرصة.

وقال جيريمي كونينديك، الذي ساعد في الإشراف على الاستجابة الدولية لوباء الإيبولا في عهد إدارة أوباما ويعمل الآن زميلاً سياسياً بارزاً بمنظمة Center for Global Development البحثية، لصحيفة The Washington Post: “لقد أهدروا وقتاً لن يستطيعوا تعويضه ببساطة. لن تستطيع العودة بالزمن لتعويض ما فاتك. ويمكننا الآن تحميل أحدهم المسؤولية، فالإدارة الفوضوية والمتخبطة من بيت الأبيض هي المسؤولة، علاوةً على الفشل في الاعتراف بحقيقة الموقف”.

أنثوني فوسي، مدير المعهد الوطني للحساسية والأمراض المعدية الذي يحظى بالاحترام على نطاقٍ واسع وذاع صيته أكثر، بفضل صدقه ونزاهته خلال الأزمة الراهنة، أقر خلال شهادته أمام الكونغرس، في وقتٍ مبكر من الأسبوع الجاري، بأن الولايات المتحدة لم توفر حتى الآن اختبارات كافية لفيروس كورونا. وأردف: “إنه فشل. يجب أن نعترف بذلك. نحن لسنا جاهزين لإخضاع أي شخص للاختبار بسهولة كما يحدث في البلدان الأخرى. هل أعتقد أننا يجب أن نكون مستعدين لها؟ نعم. ولكننا لسنا كذلك“.

ونحن نعلم كذلك أن منظمة الصحة العالمية كانت لديها اختبارات سليمة ولكن الولايات المتحدة رفضتها، كما حاول باحثون في مشروعٍ بسياتل إجراء اختبارات مبكرة لفيروس كورونا لكن المسؤولين الفيدراليين أوقفوهم. (وقرر أطباء المشروع البحثي في النهاية إجراء اختبارات فيروس كورونا دون موافقةٍ فيدرالية).

ولكن هذا ليس كل شيء. إذ تشير التقارير إلى أن الرئيس تجاهل التحذيرات المبكرة من شدة الفيروس، وغضِب من مسؤولٍ في “مراكز مكافحة الأمراض والوقاية منها”، لأنه حذَّر في فبراير/شباط، من أنَّ تفشِّي المرض بات أمراً حتمياً. كما أغلق ترامب مكتب الصحة العالمية التابع لمجلس الأمن القومي الأمريكي، والذي كان منوطاً به معالجة الجوائح العالمية، ونحن ندفع ثمن ذلك الآن. إذ قال فوسي أمام الكونغرس: “كنا نتعاون جيداً مع ذلك المكتب. وكان من الأفضل أن يكون ذلك المكتب موجوداً في وقتنا الحالي“.

ونواجه، الآن، نقصاً في أجهزة التنفس الاصطناعي والإمدادات الطبية، وربما تمتلئ المستشفيات قريباً بدرجةٍ تتجاوز قدرتها؛ وذلك في حال شهدنا ازدياد أعداد الحالات المصابة بفيروس كورونا بمعدل يشبه ما يحدث في إيطاليا. (وهذا سيتسبب في حالات وفاة نتيجة فيروس كورونا، علاوةً على وفاة أشخاص يعانون من أمراض أخرى ولا يستطيعون الحصول على رعاية جاهزة في المستشفى).

وبعض تلك الأخطاء أقل خطورة، ومفهومٌ أكثر من غيره. ويجب على المرء أن يأخذ في اعتباره أن الأمور تسوء حين يجبَر المسؤولون في الحكومة على اتخاذ قرارات مهمة تستند إلى معلومات منقوصة خلال فترةٍ زمنية قصيرة.

ولكن في بعض النواحي، نجد أن سيل المعلومات الكاذبة من الرئيس هو الأمر الأكثر إثارةً للقلق على الإطلاق. إذ نهوي من مأساةٍ إلى أخرى، وجميعها لا تشبه أي شيءٍ رأيناه من قبلُ. إذ أنكر الواقع يوماً تلو الآخر بكل وقاحة، في محاولةٍ لتخفيف الأضرار السياسية والاقتصادية التي واجهها. لكن ترامب على وشك اكتشاف أنه لا يستطيع التحايل أو التغريد للهروب من أزمة الجائحة. ولا يوجد شخصٌ يستطيع أن يفعل في فيروس كورونا ما فعله المدعي العام ويليام بار في تقرير مولر: الكذب والإفلات من العقاب.

ولا شك في أن تضليل الرئيس وكذبه فيما يتعلق بفيروس كورونا هما أمورٌ صادمة وكارثية. إذ ادَّعى احتواء المرض بأمريكا، في حين كان المرض ينتشر بالفعل. وزعم أننا “أغلقنا”، في حين أننا لم نغلِق فعلياً. وزعم كذلك أن فيروس كورونا سيختفي يوماً ما “مثل المعجزة”، ولكن هذا لن يحدث. وادَّعى أيضاً أن اللقاح سيتوافر في غضون أشهر، لكن فوسي يقول إن اللقاح لن يتوافر قبل عامٍ أو أكثر.

وحمّل ترامب إدارة أوباما المسؤولية كذباً عن عرقلة اختبار فيروس كورونا. وذكر في البداية أن فيروس كورونا ضرب الولايات المتحدة في وقتٍ متأخر عن وقت دخوله الفعلي. (إذ قال إن الفيروس وصل قبل حديثه بثلاثة أسابيع، في حين أن الرقم الحقيقي يساوي ضعف ذلك). وزعم الرئيس أن عدد الحالات في إيطاليا “يتحسن كثيراً”، في حين أن الوضع كان يزداد سوءاً. وفي واحد من التصريحات الصادمة أكثر لرئيسٍ أمريكي، أقر ترامب بأنه كان يفضّل إبقاء سفينة الرحلات بعيداً عن ساحل كاليفورنيا بدلاً من السماح لها بأن ترسو، لأنه أراد إبقاء أعداد الحالات المصابة بالفيروس منخفضةً نظرياً.

وأوضح ترامب: “أنا معجبٌ بالأرقام الحالية، وأفضل أن تبقى على ما هي عليه. ولكنهم إذا أرادوا تغييرها، فبإمكانهم تغييرها. وفي حال حدوث ذلك، سيقفز رقم الحالات الـ240 فجأةً إلى رقمٍ أعلى بكثير، وستزداد حالات الوفيات الـ11 على الأرجح”. (لكن الرأي السديد حكم في النهاية، وسُمِحَ للسفينة Grand Princess بأن ترسو في ميناء أوكلاند رغم اعتراضات الرئيس).

وعلى هذا الحال نمضي.

ومما زاد الأمور سوءاً أن الرئيس ألقى خطاباً من المكتب البيضاوي بغرض طمأنة الأمة والأسواق المالية، لكنه صدمهما. إذ كان خطاب الرئيس محرجاً ومتكلفاً، والأسوأ من ذلك هو أن الرئيس -الذي قرر إلقاء خطابه من شاشة التلقين- أخطأ في التعبير عن سياسات إدارته، لتضطر الإدارة إلى تصحيحها لاحقاً. وانخفضت العقود الآجلة في أثناء إلقاء الرئيس لخطابه. وخلال الخطاب، حث الرئيس الأمريكيين على “الاتحاد معاً بوصفهم أمةً واحدة وعائلةً واحدة”، رغم إشارته إلى حاكم واشنطن جاي إنسلي بوصفه “ثعباناً” قبل أيامٍ من خطابه، وهجومه على الديمقراطيين في الصباح التالي. وكتب دان بالز من صحيفة The Washington Post الأمريكية: “لقد وقع في كل الأخطاء الممكنة في ذلك الخطاب”.

وإجمالاً، يُعَد هذا فشلاً رهيباً في الإدارة نتيجة الخلل الهائل في شخصيته. إذ اعتاد ترامب الكذب، ولا يستطيع أن يكون صادقاً حتى حين يخدم الصدقُ مصالحه. وهو مندفعٌ للغاية وقصير النظر وغير منضبط، لدرجة أنه لا يستطيع التخطيط أو التفكير في المستقبل. كما أنه شخصيةٌ تثير الانقسام والاستقطاب، لدرجة أنه فقد قدرته منذ فترةٍ طويلة على توحيد الأمة تحت أي ظروف ومن أجل أي قضية. وهو نرجسيٌّ للغاية لدرجة أنه لا يستطيع التعلم من أخطائه مطلقاً. وتجعل منه شخصيته المضطربة غير مجهز للتعامل مع الأزمة أكثر من أي رئيسٍ سابق. وكانت تصريحات ترامب عديمة الفائدة في مجملها ومؤذيةً بكل وضوح، مع قليل من الاستثناءات.

وبدأت الأمة تدرك ذلك وتتعامل معه بوصفه متفرجاً، “بينما أخذ مديرو المدارس ومفوضو الرياضة، ورؤساء الكليات، وحكام الولايات، ومُلاك الشركات في أنحاء البلاد كافة على عاتقهم مسؤولية إغلاق غالبية مناحي الحياة الأمريكية، دون توجيهٍ واضح من الرئيس“، على حد تعبير بيتر بيكر وماغي هابرمان من صحيفة The New York Times الأمريكية.

دونالد ترامب يتقلص أمام أعيننا

إذ من المرجح أن يصير فيروس كورونا نقطة التحول في رئاسة ترامب، حيث يتغير كل شيء، وحين يصير لا مفر من إنكار تبجُّح وجهل وسطحية الرئيس الـ45 لأمريكا، وهذا واقعٌ تجريبي لا جدال فيه مثل قوانين العلوم والمعادلات الرياضية.

واستغرق الأمر وقتاً أكثر من المطلوب، لكن الأمريكيين شهدوا الآن المحتال وراء الستار. وسيصير الرئيس، الغاضب لكشف أمره، أكثر يأساً وسخطاً وقلقاً. وهو يعلم أن الأمور لن تعود إلى سابق عهدها. وربما تهتز إدارته، لكنها ستظل مجرد صدفةٍ خاوية. لقد انتهت رئاسة ترامب.

المصدر / بيتر وينر- كاتبٌ مساهم في مجلة The Atlantic الأمريكية