فلسطين أون لاين

من "ووهان" بؤرة كورونا.. رسائل (طبيب فلسطيني) تخطت حدود الصين

...
(أرشيف)
غزة - يحيى اليعقوبي

بمدينة ووهان الصينية التي سميت بمدينة "الأشباح" لخلو شوارعها من المارة، وظهر فيروس كورونا (كوفيد 19) بأحد أسواقها الشعبية؛ مرت  أكثر من 51 يوما  صعبة على الطبيب الفلسطيني علي الوعري الذي يعمل بإحدى كبرى الشركات البيولوجية الصينية في إنتاج الأدوية  في مدينة "ووهان".. قاسيةٌ تلك الأيام التي لا زال يعيشها بـ"سجن خمس نجوم"؛ وحياة قسرية فرضها الفيروس.

لكن ابن غزة؛ لم يرفع الراية البيضاء للفراغ والحياة المملة، فعلى صفحته الشخصية على فيسبوك ترى عشرات مقاطع الفيديو والرسائل التوعوية والمقابلات التلفزيونية للطبيب وأخصائي جراحة الصدر علي الوعري، تخطى فيها حدود  الصين، ولاقت رسائله تفاعلا كبيرا من الجمهور والمتابعين، في كل ما يتعلق  بفيروس كورونا.

قبل الظهور

في حوار صحيفة "فلسطين" مع الوعري روى التجربة الصينية وتفاصيل الحياة اليومية في ووهان حتى اللحظة، والبداية من ما قبل ظهور الفيروس في مدينة ووهان،  فيقول: "كوني طبيبا كنت مطلعا على الأمور  في بداية الأمر، وكان هناك  اتصالات بين الأطباء، كنا نعرف بوجود فيروس غريب يشبه "السارس" ولم تعلن الحكومة عنه .. أخذنا احتياطاتنا لكن لم نتوقع هذا الانتشار".

في 23 يناير/ كانون ثاني الماضي تفاجأ الوعري، وقبل هذا التاريخ بأيام باتخاذ الصين إجراءات وقائية احترازية على محطات القطار ومداخل مدينة ووهان، بإغلاق  المرافق العامة، والطلب من أهلها التزام البيوت، حتى باتت الحياة  في الخارج خالية بأمر من الحكومة.

يتوقف الوعري عند أول أيام المنع: "لم ينقصنا شيء لا مأكل ولا مشرب، توزع الحكومة المحلية يوميا نوعا من الخضار يصلك لباب البيت ، وبعد أسبوعين من هذا الحصار جرى تشديد مراحل المنع، حتى وصلنا لمرحلة يمنع الشخص النزول للشارع، من ناحية الطعام خزنت كمية أكبر، وكذلك تستطيع الشراء من خلال الانترنت ويصلك على باب المجمع السكني".

"كان صعبا علينا أن لا نستطيع الذهاب لبحيرة ووهان الجميلة، وأن لا أستطيع زيارة والدة زوجتي التي تبعد عنا 20 كم للاطمئنان على صحتها بسبب ارتفاع درجة الحرارة، وترى مشاهد لحالات وفاة محزنة" .. هذه من الأشياء المؤلمة بالنسبة إليه.

في 14  شباط/ فبراير الماضي عاد الوعري إلى العمل ولكن من خلال فيديو كونفرنس، "يوميا هناك نقاشات واجتماعات عن طريق الانترنت"؛ يتابع حديثه.

في ثاني أيام "الحصار" –كما يصفه- بدأ الوعري بنشر مقاطع فيديو توعوية للناس وإرشادات حول فيروس كورونا، وفضل البقاء في الصين وعدم المغادرة "لرد الجميل" –وفق تعبيره- قائلا: "حبي للصين كوني عشت فيها 25 سنة دفعني للبقاء لإيماني أنها ستتغلب على  الفيروس فهي بلدي الثاني بعد وطني فلسطين".

التجربة الصينية

للصين تجربة في مكافحة الجائحة، حسما يذكر الوعري، إنها اتبعت نظاما بعد أكثر من 50 يوما داخل الحجر الصحي الطارئ أدت لنتائج إيجابية في أرض الميدان، وأثبتت نجاحها في السيطرة والحد من انتشار الفيروس، "الفيروس ليس بقاتل بالمقارنة بنسبة الوفيات للمصابين التي لا تتعدى 2-3% لكن الخطورة في سرعة انتشاره السريع بين الناس، كما أن هناك طرقا غير مكتشفة حتى الآن في انتشار الفيروس" وفق قوله.

حسب الطبيب الفلسطيني، أغلقت الصين في البداية مدينة ووهان بالكامل، بعد ذلك كان تشخيص الحالات والمشتبه بإصابتهم يبقون في المنازل، وثم الذهاب للمشفى لكن هذه الطريقة اثبتت فشلها، كون المشتبه بهم كانوا ينقلون الفيروس لأفراد الأسرة.

"بعد فترة أيقنت الصين فشل الحجر المنزلي، واستحدثت مستشفيات ميدانية للفصل بين مرضى الانفلونزا عن المواطنين، وأغلقت المجمعات السكنية وعزلت المشتبه بإصابتهم " .. والكلام للطبيب الفلسطيني.

 كيف تبدو الحياة حاليا في الصين وهل رفع الحجر الطارئ؟  يجيب: "لا زال الوضع تحت الحجر الصحي الصارم يمنع الخروج من المنزل (...) تجاوزنا فترة 50 يوما، وقد يتم بداية الأسبوع المقبل السماح لبعض الشركات والدوائر الرسمية للعودة تدريجيا للعمل، بعد فحص كافة العاملين فيها".

ينصح الوعري اذا سمحت الظروف والإمكانيات في فلسطين، في آخر يوم من الحجر أن يتم فحص الشخص بكاشف الحمض النووي للتأكد أن النتيجة (سلبية) أو بالصورة المقطعية.

ما مدى سيطرة الصين على الفيروس؟ النتائج هي الحكم التي يستند اليها الوعري في اجابته، فعدد حالات الإصابة انخفض إلى نحو 20 حالة يوميا، لم تقض الصين عليه لكنها سيطرت على انتشاره المخيف بنسبة 90%، وذلك باستخدام اساليب التوعية للنظافة الشخصية وغسل اليدين باستمرار، وعزل المشتبه بهم على انفراد بالمستشفيات وليس في البيوت.

"كانت هناك لجان طبية تابعة لوزارة الصحة الصينية تتفقد البيوت وتفحص المواطنين، ومن يثبت عليه الفيروس يتم نقله للحجر " بهذا نجحت الصين في الحد من انتشاره في أراضيها.

العدوان على غزة

في الصين، أمضى الوعري 25 عاما يحن فيها إلى غزة التي غادرها  عام 1995م وكان عمره حينها 19 عاما ودرس تخصص الطب لخمسة أعوام ومن ثم أكمل رسالة الماجستير في جراحة الصدر لأربعة أعوام أخرى، لكنه عاد إلى غزة عام 2012م ومكث فيها لمدة ثلاثة أشهر، كان من بينها ثمانية أيام بقيت محفورة في ذاكرته في عدوان الاحتلال على غزة.

يرحل بصوته إلى تلك الأيام: "قدمت مع زوجتي وطفلتيّ، والآن نقارن بين حالة الإغلاق بووهان والحرب العدوانية على غزة، لأنك في الحرب تعرف عدوك ومكان الخطر، أما هنا فعدوك غير معروف، لقد تغيرت غزة كثيرا وبالكاد  استطعت معرفة مكان منزلنا بمنطقة تل الهوا، ولما بدأت الحرب لم أتوقع حجم الإجرام الإسرائيلي بهذا الشكل، لأنني تابعت عدوان 2008م عبر التلفاز والمشاهدة ليست كما المعايشة، عشنا ثمانية أيام دون ماء وكهرباء نأكل الزعتر والزيت".

ينتقي بعضا من مواقف العدوان: "لما بدأ القصف، كنت واقفا على نافذة غرفة المنزل، وسقطت قذيفة في محيط بيتنا  ومن شدة القصف دفعنا الهواء من النافذة إلى الداخل،  طفلتي شاهدت الطائرة تقصف من البحر، فسألتني باللغة الصينية: طيارة من هذه، فقلت لها: "طيارة محتل إسرائيلي"، ومجرد انتهاء الحرب وعدنا إلى الصين رأت طائرات بالسماء، فعاودت السؤال الذي لم تنسه: هذه طيارة إسرائيلي؟ فأجبتها: "لا"، فردت بابتسامة وفرحة كبيرة: "أنا مبسوطة الآن".

بعد يوم واحد، ألقت طائرات تابعة للاحتلال الإسرائيلي منشورات سقط أحدها على شرفة منزل الوعري، تطالبهم بإخلاء المنزل، يسأل الطبيب والدته: "هل هذا صحيح؟"، فرأت أمه أن يذهبوا جميعا لمنزل شقيقته بمكان أبعد بغزة، تسحبه الذاكرة لتلك اللحظة: "قلت لزوجتي أن تأخذ الأغراض المهمة: ما خف حجمه وثقل ثمنه، وكذلك لطفلتي، فرأيت إحدى طفلتي  تحمل حقيبة ألعاب، فسألتها ما هذا، فردت ببراءة: هذه أشيائي المهمة، ونحن نغادر بكت زوجتي، فسألتها عن السبب باستغراب ظننت هناك شيئا، فأجابت وهي تمسح دموعها: زعلانة أنه بدنا نترك هدا البيت الجميل".

"صورت زوجتي آثار القصف (...) وكتبت وهي تخاطب الصينيين على مواقع التواصل الاجتماعي: انظروا هذه القذيفة، وحينما قصفت طائرات الاستطلاع شابين على دراجة نارية، فكتبت بعد أن التقطت صورة لأشلاء أحدهم معلقة على أسلاك الكهرباء: "انظروا كيف قصفت (إسرائيل) الشابين لأنهما يوزعان البيتزا، وكان لذلك تأثير كبير لأن كلماتها خرجت من فم صيني وليس عربيا".