قد يكون ارتياد مطعم فاخر بمستوى مطاعم "الخمس نجوم" وبمواصفات عالمية هو ضرب من ضروب الخيال بالنسبة إلى شخص فقير تصل أقصى طموحاته إلى كيفية تأمين قوته لليوم التالي.
وعلى نفس الشاكلة قد تكون تمضية نهار كامل مع العائلة في ربوع مرفق سياحي أو منتزه دون دفع أي مبالغ مالية، بمثابة أسطورة لن تتحقق لأطفال يلعبون في التراب ويبنون بها منازل وهمية.
في لبنان وسط انهيار اقتصادي مخيف يرافقه تلامس مع خط الفقر وصل حتى الـ61% من إجمالي عدد سكانه (6 ملايين نسمة)، أصبح الحصول على قوت يومي أو الخروج في نزهة قصيرة مع العائلة حلم يراود الفقراء، لكن يبدو أنه تحقق مؤخراً مع افتتاح مطعم فاخر بمواصفات راقية دون منازع، وسط "جبيل" الأثرية التي تعتبر من أكثر المدن السياحية أهمية في لبنان.
وبميزانية مالية تتخطّى الثلاثين ألف دولار أمريكي لتنفيذ هذا المشروع، إضافة إلى الهبات والمساعدات العينية والمالية لبنائه، وبديكور فاخر شبيه بأرقى المطاعم من فئة "الخمس النجوم"، استطاع مجدي علاوي من افتتاح حلمه المنتظر "Bonheur du ciel" أو"البهجة السماوية".
"البهجة" وهو الاسم الذي اختاره لمطعمه، يعبر عن كلمة باتت محذوفة من قاموس لبنانيين، وسوريين وعراقيين نازحين إلى لبنان على حدّ سواء، بحسب قول "علاوي" في حديث مع الأناضول.
ما يميّز مطعم "البهجة السماوية"، إضافة لكونه مجانيا يستقبل الجميع من مختلف أصقاع لبنان مهما كانت ديانته أو عرقه، ولو حتى كان نازحاً سورياً أو عراقياً، تلك الخدمة التي تضاهي نظيرتها بالمطاعم الفخمة، بوجود حوالي 14 متطوعا يعملون يومياً من الاثنين إلى السبت ومن الساعة الثانية عشر ظهراً حتى التاسعة ليلاً، لتقديم الأطعمة وتزيينها بأجمل الطرق قبل تقديمها إلى أربعين حتى خمسين شخصا يقصدون المطعم في "جبيل" (37 كيلومترا شمال بيروت).
بحسب "علاوي"، فإنّ المبنى الحالي للمطعم كان منزلاً تراثياً عريقاً تمتلكه عائلة "سعد" وسط مدينة جبيل وتم التفاوض معهم من قبله لاستئجاره لمدة ست سنوات قابلة للتجديد بسعر مقبول نوعاً ما، يتم تسديده شهرياً بواسطة المساعدات المالية والهبات التي يرسلها له مغتربون في كندا وأستراليا والولايات المتحدة، إلى جانب بعض الميسورين في لبنان.
المبنى الذي تم افتتاحه منذ أسبوع فقط تحيط به حديقة واسعة ويغطّيه سقف قرميد قديم، ويحتوي على 4 غرف شاسعة جداً منها واحدة كبيرة عبارة عن صالون يستقبل عددًا من الزوار الذين لا يجدون مكانا آخر للترفيه عن أنفسهم لعدم قدرتهم على ارتياد المقاهي أو المطاعم.
ويحتوي المطعم على مطبخ كبير يعمل فيه قرابة خمسة متطوعين مهمتهم تحضير الأطعمة والفاكهة والحلويات التي تصلهم كتبرعات من أهم المطاعم ومحلات الحلويات في لبنان إلى جانب تجار الخضار والفاكهة الذين يساهمون في تزويد المطعم بالمواد اللازمة.
حلم علاوي ومعه المجموعة المتطوعة كان "تحقيق رغبات كثيرين من الفقراء والعجزة الذين يطمحون لزيارة مطعم فاخر لكن قدرتهم المادّية لا تسمح لهم، فأتى هذا المطعم الرائع، ولتكن فاتورته عبارة عن كلمة شكراً فقط".
تكلفة المطعم ليست سهلة بتاتاً، فكلفة الديكور على سبيل المثال ناهزت العشرة ألف دولار أمريكي لشراء طاولات وكراسي ومقاعد كبيرة، كذلك القطع الأثرية التي تزيين أرجاء المكان.
أما بالنسبة للمطبخ فهناك المعدّات والقطع الأخرى اللازمة والتي وصل سعرها إلى حدود خمسة ألف دولار، بالإضافة إلى سعر الثلاجات والأفران التي تم شرائها بسعر الكلفة من قبل التجار الذين ساهموا في عمل الخير هذا، وفق ما قاله علاوي.
المشروع ليس لإطعام المساكين فحسب، إذ يهدف إلى تقديم ساعات السعادة والرفاهية لكل شخص فقير يحلم بإقامة حفل عيد ميلاد لابنه أو ابنته، أو لكل شاب يتمنى إقامة حفلة خطوبة مجانية يدعو إليها الأقارب والأصحاب، وكله مجاناً.
وعن ذلك، قالت إحدى المتطوعات، زينة أبي سعد، والتي تعمل في الأساس مصممة أزياء وتمتلك مشغلاً كبيراً في العاصمة اللبنانية، إنها "تخصص كل عطلة أسبوع لخدمة المحتاجين، إذ تأتي من بيروت إلى مدينة جبيل للمساعدة في تحضير الوجبات وتقديمها للرواد، كما تساهم في تنظيف الأطباق والمكان ناسية أنها صاحبة مشغل".
وأضافت زينة للأناضول: "هنا أنسى كل شيء، وأشكر ربي على نعمة عطائه لي، هنا أتعلّم المحبة والتضحية والتواضع، مثلي مثل عشرات المتطوعين الجامعيين وأصحاب المشاريع".
ما يلفت النظر هو أن هذا المكان ليس حكراً على الفقراء فقط وإنما يخصص يومًا في الأسبوع لاستقبال سجناء يمضون أيامهم في سجن الأحداث (القاصرين) أو في سجون أخرى لا سيّما السارقين ومتعاطي المخدرات.
يشار إلى أن هناك مشروعا ترفيهيا آخر يضمه المطعم وهو عبارة عن استئجار مراكب بحرية يومياً تقلّ أكبر عدد من العائلات التي ترغب في نزهة وقدرتها المادية لا تسمح لهم بذلك، إلى جانب حديقة عامة يمضي فيها الأطفال باللهو واللعب مع وجود مقاعد مخصصة للكبار يتبادلون عليها أطراف الأحاديث.