لن ينسى الشاب محمد العامودي من سكان محافظة خان يونس، جنوبي قطاع غزة، ذلك اليوم الذي تسببت فيه رصاصة إسرائيلية بإعاقة ستلازمه طيلة حياته، بالضبط كما أنه لن ينسى اليوم الذي جمعه بشريكة حياته.
في 13 نيسان (أبريل) 2018م، توجه محمد إلى السياج الفاصل الذي يقيمه الاحتلال شرق خان يونس، للمشاركة برفقة الآلاف في المسيرات السلمية، كان الهدف تأكيد تمسكه بحق العودة، والمطالبة برفع الحصار المفروض على غزة منذ سنين طويلة.
لكنّ جنديًّا في جيش الاحتلال باغته برصاصة يطلق عليها اسم "فراشة"، وهو يقف ويحمل العلم الفلسطيني بعيدًا مئات الأمتار عن السياج الفاصل.
وكانت مسيرات العودة، انطلقت بمشاركة مئات الآلاف من المواطنين في 30 آذار (مارس) 2018م، سلميًّا، لكن جيش الاحتلال واجهها بقمع عنيف بالرصاص المتفجر وقنابل الغاز، ما أوقع ضحايا بالآلاف شهداء ومصابين.
وبقدر الألم الذي سببته الرصاصة لمحمد البالغ (27) عامًا وضياع مستقبله، أدخل القدر الفرحة إلى قلبه لاحقًا.
يقول لـ"فلسطين": "بينما كنت واقفًا بجوار مجموعة من المشاركين في المسيرات، أحمل العلم الفلسطيني، فوجئت بإصابتي برصاصة جعلت جسدي يرتعش بقوة قبل أن ترميني أرضًا".
وأصاب القناص الإسرائيلي مفصلي الركبة في ساقي محمد برصاصة واحدة (فراشة)، سببت أضرارًا كبيرة، حالت دون عودته للسير طبيعيًّا إلا بعكازين، بعد أن كان شابًّا يافعًا مليئًا بالطاقة.
كان محمد يعمل في تجارة الجوالات، ومنها كان يحصل على دخله الذي يصرفه به على نفسه، لكن في إثر الإصابة لم يعد قادرًا على فعل شيء.
تنتشر مشاهد إصابة محمد كالنار في الهشيم عبر المواقع ومنصات التواصل الاجتماعي، ويثير ذلك موجة تضامن كبيرة معه، جعلت محجوبة كانون المغربية تتعاطف معه، بعد أن أثار اهتمامها.
ويقول: "تعرفت إليها، وتحدثت إلى أهلها، وشرحت لهم أوضاع قطاع غزة، والحصار الذي يعيشه سكانه البالغ تعدادهم أكثر من مليوني نسمة".
يثير ذلك اهتمام العائلة المغربية أكثر، فيستمر التواصل بينهما أربعة أشهر، قبل أن يطلب محمد يد محجوبة من أهلها.
يفاجأ محمد بقبول محجوبة وعائلتها الزواج به، لقد كان ذلك حلمًا لها أن تصل إلى غزة، وتصبح واحدة من أهلها، كما يقول.
ويضيف: "شرحت لها ولعائلتها ظروفي كاملة، وظروف قطاع غزة الذي يعاني الحصار ونتائجه من فقر وبطالة".
وصلت محجوبة التي تحمل الإقامة الأسبانية إلى قطاع غزة في آذار (مارس) الماضي.
وتحاول المغربية محجوبة أن تلملم جراح زوجها الذي عانى مضاعفات جسدية ونفسية انعكست على حياته سلبًا بعد الإصابة، وهو ما تثبته التقارير الطبية التي يحتفظ بها محمد.
وكانت رصاصة القناص الإسرائيلي تسببت بأضرار كبيرة في العصب بالساقين لدى الجريح محمد، وجعله ذلك يخضع لتسع عمليات تنظيف وتجميل بغزة.
وكان محمد سافر إلى الأراضي المصرية لحاجته إلى عملية أعصاب طرفية لا تجرى في غزة، كما يقول، لكنه بعد زيارته الأولى أجلت عمليته إلى أجل غير مسمى.
ويعيش محمد وزوجته التي جاءت غزة تاركة عملها في إحدى المؤسسات التعليمية المغربية، آملًا أن يلقى اهتمامًا أكبر من الجهات الرسمية، بعد أن أصبح واحدًا من ذوي الإعاقة غير القادرين على العمل وتوفير دخلهم اليومي.