لا يبدو أن هناك حلولًا سحرية لأزمة تشكيل الحكومة الإسرائيلية في ضوء نتائج الانتخابات البرلمانية الإسرائيلية المعادة للمرة الثالثة خلال عام، التي عكست تعاظمًا وتقدمًا في قوة معسكر اليمين واليمين المتطرف بشقيه الديني والعلماني بقيادة نتنياهو، ولكن تلك النتيجة لم تمنح هذا المعسكر القدرة على تشكيل الحكومة، فهو لم يحصل على سوى 58 مقعدًا، وتلك النتيجة غير كافية لتشكيل الحكومة، وما زال حزب "إسرائيل بيتنا" بقيادة ليبرمان، مع خسارته مقعدًا من مقاعده السبعة في الانتخابات الإسرائيلية الثالثة، ممسكًا بـ"بيضة القبان"، أما القائمة العربية مع زيادة مقاعدها من 13 إلى 15 مقعدًا فيبدو أنها خارج لعبة تشكيل الحكومة، ويستخدمها المعسكر الذي يقوده غانيتس من أجل ممارسة الضغوط على نتنياهو وليكود من أجل تشكيل حكومة "وحدة وطنية" صهيونية كاملة أو شراكة ما بين الحزبين الكبيرين مع أحزاب أخرى دون تولي نتنياهو رئاسة الوزراء، ويبدو أن ما يطرحه غانيتس وقادة تحالف وسط اليمين على القائمة المشتركة، لا يمكن أن يشجعها على دعم تشكيل حكومة بقيادة غانيتس، فهي تريد حقوقًا وطنية سياسية ومدنية، لا وعودًا، وليبرمان لا يمكن أن يدعم حكومة أقلية بدعم من القائمة العربية المشتركة أو مشاركتها، وكذلك هناك أعضاء حزب "تيلم" الصهيوني المؤتلفون في تحالف معسكر الجنرالات يرفضون لأسباب عقدية وأيديولوجية يمينية متطرفة دعم وتأييد تشكيل حكومة يدعمها أو يشارك فيها العرب.
ما الذي كشفته هذه الانتخابات؟
أظهرت هذه الانتخابات أن الصراع على السلطة يدور بين اليمين المتطرف بشقيه الديني والعلماني من جهة، واليمين العلماني الذي في قلبه قوى متطرفة، وأن ما يسمى معسكر اليسار الصهيوني ذاهب نحو التلاشي والانقراض، ولم يعد مؤثرًا في القرار ولا في السياسة الإسرائيلية، فهناك مئة عضو كنيست لا يعترفون بالحد الأدنى من حقوق شعبنا الفلسطيني، ومع الضم والتهويد، كما أن هذه الانتخابات دللت وأكدت بوضوح أن قوى اليمين العلمانية والدينية متمترسة خلف قيادة نتنياهو، وفي تصويتها الانتخابي لم تتأثر بكون نتنياهو مقدمة ضده لائحة اتهام، ومتهم بثلاث تهم خطيرة رشوة واحتيال وسوء ائتمان، بل وجدنا أن ليكود زاد عدد مصوتيه 239 ألف صوت، وأن نتنياهو ما زال ملك (إسرائيل)، وهو القادر على فرض أجندته في الأمن والسياسة والاقتصاد، وباقي القوى تلحق به.
إن حالة الشلل السائدة في دولة الاحتلال بعد الانتخابات المبكرة للمرة الثلاثة تقول إن المأزق آخذ بالتعمق، ولا يوجد حلول سحرية للخروج من هذا المأزق، ومحاولة غانيتس طرح التصويت على قانون، يمنع أي رئيس وزراء متهم بملف جنائي من تولي الحكم، قد يكون لها حظ من النجاح، ولكن لا أعتقد أن ما يسمى المحكمة العليا الصهيونية ستشرع هذا القانون، لأنه فصل على مقاس شخص واحد، ألا وهو نتنياهو.
ولذلك الخروج من هذا المأزق يبدو صعبًا حتى اللحظة الراهنة، فلا مجال لتحالف ليكود وأزرق أبيض ضمن حكومة وحدة وطنية، فغانيتس يرفض التحالف مع ليكود بقيادة نتنياهو، وقوى اليمين متمرسة بقوة خلف نتنياهو، ولن تقبل غيره رئيس وزراء، وإقامة حكومة مقلصة بقيادة غانيتس مدعومة من الخارج من القائمة العربية، تبدو حظوظها منخفضة، فغانيتس ومعسكره يريدان استخدام القائمة المشتركة فقط من أجل إسقاط نتنياهو، دون أن يلتزما لتلك القائمة بأي حقوق وطنية وسياسية ومدنية، وقسما المشتركة إلى من هو مقبول ومن هو مرفوض، وكذلك هذه الحكومة حتى لو قامت فلن تعمر أشهرًا قليلة، ففي أول مقترح لسن قانون أو تشريع لمصلحة الأقلية القومية العربية في دولة الاحتلال ستنهار الحكومة، ليس فقط بتصويت ليبرمان ضدها، بل أغلب القوى الموجودة في الحكومة سترفض ذلك، وفي تقديري أن أي حل لهذه الحكومة والذهاب إلى انتخابات للمرة الرابعة يعني أن ليكود ومعسكر اليمين المتطرف سيحققان فوزًا كبيرًا في هذه الانتخابات، فالواضح أن المجتمع الصهيوني أكثر عنصرية وتطرفًا ويمينية، ولا يهتم في تصويته بقضايا فساد نتنياهو، بل يهتم بما يحققه له من تحقيق برامجه الاقتصادية والاستيطانية والأمنية، وبرامج الضم والتهويد، وهو يرى حتى في قوى اليمين الأخرى التي يمثلها حزب الجنرالات، ولا تبتعد كثيرًا في برامجها عن ليكود من حيث التنكر لحقوق شعبنا الفلسطيني، برفض حق العودة ورفض العودة لحدود الرابع من حزيران/ 1967م، وعدم الموافقة على إقامة دولة فلسطينية بين النهر والبحر، والموافقة على الضم ومواصلة الاستيطان، ومع كل هذا يعدونهم لا يعبرون عن طموحات وآمال ما يسمونه الشعب اليهودي.
معضلة تشكيل الحكومة شائكة ومعقدة، وقد يبدو خيار ضغط نتنياهو على مركبات تحالف معسكر الجنرالات من أجل استمالة عدد منهم بالترهيب والترغيب لغرض شق عصا الطاعة على قيادة تحالفهم، والانضمام إلى حكومة بقيادة نتنياهو، له حظوظ من النجاح، ولكن حتى اللحظة لم يحدث أي اختراق على هذا الصعيد.
يبدو أن حل هذه المعضلة المستعصية، التي ستجنب دولة الاحتلال الذهاب إلى انتخابات مبكرة رابعة، سيأتي من باب انتشار فيروس "كورونا" الوبائي، إذ دعا رئس وزراء الاحتلال نتنياهو إلى تشكيل حكومة وحدة وطنية، لمجابهة فيروس "كورونا"، وقد قال في هذا الصدد: "إن الفيروس لا يقيم وزنًا لحدود، ولا يميز بين اليهود وغير اليهود، وبين المتدينين (يقصد الحريديين) وغير المتدينين، وبين اليمين واليسار (...) نحن جميعًا في قارب واحد، في الواقع؛ إن كل البشرية في قارب واحد".
وأضاف: "إنهم يفهمون (يقصد كتلة كاحول لافان) أننا في حالة طوارئ غير مسبوقة، وهناك حالة طوارئ على المستويين: الوطني والدولي".
وأكمل نتنياهو: "يجب وضع السياسة جانبًا، وسيحين الوقت للعودة إلى النقطة نفسها، ولكن المسؤولية الوطنية مطلوبة الآن".
وأضاف: "سنتعامل مع الأزمة بثقة مشتركة انطلاقًا من إيماننا بأن شيئًا واحدًا يُقابل عيوننا أن هدفنا واحد: الخير لدولة (إسرائيل)، وصحة وحياة المواطنين الإسرائيليين".
بدوره رد زعيم أزرق أبيض غانتس على دعوة نتنياهو بأن أبدى استعداده لبحث تشكيل حكومة وحدة قومية، قائلًا: "دعمت كاحول لافان، وستستمر في دعم النضال المشترك لمُجابهة وباء كورونا وآثاره".
وأضاف غانتس: "كما فعلنا حتى الآن، سنستمر بالتحلي بالمسؤولية تجاه الجمهور (...) سنكون على استعداد لمناقشة تشكيل حكومة طوارئ وطنية واسعة النطاق تشمل تمثيل جميع أجزاء المنزل (يقصد مركبات البرلمان الإسرائيلي)"، وكان ردّ ليكود على تلميح إشراك القائمة المشتركة في الحكومة أنه لن يجلس مع "داعمي الإرهاب".
الخيارات تبدو صعبة للخروج من حالة الشلل السياسي وتشكيل حكومة إسرائيلية جديدة، ولكن يبدو أن انتشار وباء فيروس "كورونا" سيفتح طاقة تشكيل الحكومة، فرئيس حزب "كولانو" أي كلنا موشه كاحلون قال: "إن الاقتصاد الإسرائيلي، والمنظومة المالية، والصناعة، والمصالح التجارية الصغيرة والمتوسطة، والمستقلين وباقي السوق في (إسرائيل) بحاجة لحكومة طوارئ قومية على وجه السرعة".
ويبقى السؤال الجوهري: هل سيحل فيروس "كورونا" الوبائي معضلة تشكيل الحكومة الإسرائيلية، حتى لو مؤقتًا، أم ستستمر حالة الشلل السياسي، وتذهب الأمور نحو انتخابات رابعة؟، الأيام القليلة القادمة ستجيب عن ذلك.