فلسطين أون لاين

​نفقات العزاء يتشاركها أهل المتوفى دون المساس بـ"التركة"

...
غزة-فاطمة أبو حية

في حالات الوفاة كثيرًا ما تكون نفقات بيت العزاء عبئًا يُرهق تفكير أهل الميت، إلى جانب حزنهم على الفقيد، وهنا يأتي الاقتراح المُتعارف، وهو استقطاع جزء من إرث المتوفى، وفي حالات أخرى ينشب الخلاف بين أقارب الميت بسبب عدم اتفاقهم على كيفية توزيع النفقات، في ميزان الشرع من الذي ينبغي أن يتحمل عبء بيت العزاء؟

من حقوق الأحياء

يقول الأستاذ المساعد في كلية الشريعة والقانون بالجامعة الإسلامية الدكتور عاطف أبو هربيد: "سنة الله اقتضت أن الموت يصيب كل إنسان، وأن لكل حياة نهاية، وقد رتب الله حياة الأحياء والأموات، فلو توفي الشخص وانتهى عمره يكون من فرض الكفاية على المسلمين تغسيله وتكفينه ودفنه".

ويضيف أبو هربيد لـ"فلسطين": "أي نفقةٍ للتغسيل إن كان بأجر، أو لشراءِ الكفن، أو لدفع تكلفة القبر والدفن تؤخذ من تركة الميت، وذلك قبل النظر إلى الحقوق المتعلقة بالتركة، سواء أكانت لقضاء الديون المُستحقة على الميت، أم لتقسيم الميراث، أي أنه لابد من أداء كل حقوق المتوفى أولًا من تركته قبل الحقوق الأخرى".

ويتابع: "حقوق المتوفى التي ينبغي سدادها قبل توزيع الميراث هي إجراءات التغسيل والتكفين والدفن، ثم سداد الديون، وبعد ذلك دفع الصدقات والزكاوات التي كان عليه دفعها، وهذه النقطة اختلف فيها العلماء، ثم الوصية لغير الورثة وتُنفَّذ في حدود الثلث، وأخيرًا يقسم الميراث وفق الشرع".

أما عن تكاليف بيت العزاء فيقول أبو هربيد: "الأصل في السنة النبوية أن يكون العزاء في المقبرة عند الدفن، ويُكره تكرار التعزية في أيام أخرى، ولكن يتغير الحكم مع ازدياد الكثافة البشرية واحتمال تأخر وصول خبر الوفاة لبعض من يرغب بتقديم العزاء".

ويضيف: "تقديم واجب العزاء من حقوق الأحياء، فمن حق المسلم على أخيه أن يشاركه في حزنه ويسانده فيه، ولذا لا حرج من فتح باب العزاء، ولكن دون إثقال كاهل الناس من المعزين وأهل الميت، كأن يكتفى باستقبال المعزين ساعاتٍ محدودة يوميًّا على مدار الأيام الثلاثة، وليس طيلة اليوم، ولا يجب على أهل المتوفى أن يُكلفوا أنفسهم نفقةً زائدة لصنع الطعام للمعزين، بل العكس هو الأصل، إذ ينبغي أن يكون الطعام مُقدمًا من المُعزّين إلى أهل الميت، كما في قوله (صلى الله عليه وسلم): (اصْنَعُوا لآلِ جَعْفَرٍ طَعَامًا فَإِنَّهُ قَدْ أَتَاهُمْ أَمْرٌ شَغَلَهُمْ)".

ويلفت أبو هربيد إلى أن تكلفة العزاء هي في الأصل من مال الأحياء، لأنها حق للأحياء لا الميت، لأن القادم يقدّم الحق للحي، أما الميت فأخذ حقه في التغسيل والتكفين والدفن.

ويقول: "لو أراد أهل الميّت إكرام المعزّين بالقهوة والتمر فيكون هذا على نفقتهم الخاصة، وبما يتوافق مع قدرتهم المالية"، مضيفًا: "أصبح الأمر من الواجبات الاجتماعية بين الناس، لأن كلًّا مُصاب بهذا العزاء، فالأصل أن تتشارك العائلة كلها في تحمل النفقات دون التنازع عليها".

ويتابع: "من باب أولى تقديم الصدقة عن الميت بدلًا من إعداد الولائم في بيت العزاء، بتوزيع الطعام على الفقراء، أو تنفيذ صدقة جارية، خاصة أن من يتوجهون إلى بيت العزاء ويتناولون من طعامه ليسوا كلهم من الفقراء".

ويشير إلى أن تولي شخص أمر إعداد الطعام أو جزء منه تبرعًا للتخفيف عن أهل الميت، أو مساندة لهم؛ أمرٌ لا مانع منه، ولا بأس فيه لمن أراد.