المسؤول لا يحب الإجابة عن هذا السؤال، ولا يتوقف عنده أصلا، فما بالكم بمسؤولينا وهم يعددون إنجازاتهم دون خجل لأنهم حكام يُصَرفون الأمور فقط، ولا يملكون مشاريع للمستقبل ومن بعده الطوفان، بعكس المثقف الثوري الحر جسر العبور للمستقبل وحارس التاريخ والتراث.. لم يتحرر العرب ولا فلسطين بل انتقلوا لوضع اشد قهرا وتعسفا، وابتعدت فلسطين حتى اصبحت عبئا على ذاكرة الانظمة العربية وتشوه الفكر الاسلامي ومفاهيمه بالطائفية والمذهبية ومُسَت القيم والمبادئ والأخلاق، فلماذا لم يستطع السياسي تبليغ هدفه؟ ولماذا لم يستطع المثقفون الثوار ايصال فكرهم للشعوب؟ ولماذا لم يستطع الاثنان صناعة رأي عام والتأثير بالأحداث؟ جوابي لأنهم انخرطوا بالتسوية السياسية الجارية وانشغلوا بالخلافات السياسية البينية للحكام والتنظيمات وتحولوا لكتاب وأقلام سلطانية، ومن الزاوية الاخرى الشعور بالإحباط والالم لدى الكاتب لأن الجيل لا يقرأ ونلتمس لذلك عذرا، أما السياسي فالأوساط الشعبية فقدت الثقة وتعمقت الأزمة بينهم، ولا ننكر المعيقات والاغراءات المادية ونشر الثقافة المضادة الاستهلاكية والسطحية.
ولا يسعنا إلا قول: "أوسعنا عدونا شتما... وفاز بالإبل" لأن حكامنا لم يحسنوا التفريق بين الشقيق والعدو، بل ونشدوا التحالف مع العدو الصهيوني على الساحات العربية والاسلامية بالمنطقة، كل ذلك سببه انهيار الوحدة الثورية القومية بعمقها العربي والاسلامي، (من يهن يسهل الهوان عليه).. لذلك ندعو حركتنا الشعبية لتعبئة الشارع الفلسطيني والعربي لتعزيز مسيرات العودة والحفاظ على زخم هذا الحراك الوطني لأن الخطر لم ينتهِ بعد... بل زاد بعد النجاح الدولي لفكرة هذه المسيرات ذات الطابع الشعبي، وسنسعى لدور عربي داعم ومتحد رغم حصار غزة لدعمنا والوقوف بجانب مطالبنا، وأصبحنا نلفظ المسؤول الذي يفكر من البطن والغريزة دون حسابات لمواقفه الوطنية، نحن لسنا ممن يهتم ويقلق بسكان البيت الأبيض او الكنيست الصهيوني اصحاب اذرع الاقتصاد والثقافة الاستخبارية العسكرية في ساحات الوطن العربي والاقليم، ونرفض عضوية النادي العربي الرسمي ذي الوصاية الامريكية لأننا جزء من حركة التحرر في العالم من الاستعمار والاستغلال، نحن شعب ينشد الحرية ويعيش مرحلة تحرر وطني ديمقراطي، بهذا المفهوم السياسي الوطني نقرأ نتائج الانتخابات بالكنيست الاخيرة ونبني فهمنا السياسي انطلاقا من برامجنا الوطنية المشتركة مع الكل الفلسطيني.
أنظمة الحكم الرسمي وعلى رأسهم سلطتنا الفلسطينية استمرأت الهيمنة الأمريكية الصهيونية؛ لأنهم المظلة الأمنية الضامنة لكراسيهم خوفا من حراك الشعوب الحرة، لم يعد مواطنونا بحاجة لمزيد شرح او تحليل عن السياسة العدائية الامريكية والصهيونية تجاه قضايانا المصيرية، والجميع يعلم تراجع اهدافنا الوطنية امام ثبات اهداف الاحتلال والاستغلال والاستعلاء الامريكي الصهيوني بساحات الوطن العربي، كل يوم الادارة الامريكية تعلن ضمان الامن والسلام لدولة الكيان الصهيوني واستمرار الاحتلال للأراضي العربية واغتصاب الحقوق الفلسطينية وضمان تفوق الكيان الصهيوني على الدول العربية مجتمعة، ونحن والاعلام الرسمي العربي يتحدث عن العملية السلمية ودور الامريكان لتحقيق السلام بالمنطقة، ما زال الإعلاميون يتحدثون عن العدو بعمق لتجنب استعراض أخطائنا وضعفنا وانقسامنا وتغليب المنفعة الشخصية والتفريط بثرواتنا للعدو للحفاظ على كياناتنا، وما زلنا نحمل المسؤولية للغير والعوامل الخارجية لإعفاء انفسنا من مسؤولية الحكم وهروبا من جبننا، بل نعول على الخارج لحل مشاكلنا، وهذا ما يفسر توجه زعمائنا للصهاينة والامريكان لإخراجنا من ازماتنا.
سابقا أطربنا شعار (نفط العرب للعرب) فإذا بالنفط يتحول الى لعنة ونقمة على شعوب المنطقة لتحكم العدو فيه، ويزيدنا فقرا وعازة من خلال سياسة البنك الدولي للإقراض، النموذج الثاني لتراجع اهدافنا هو (على مدار70 عاما السابقة مطلبنا تحرير فلسطين كاملة ، وتراجعنا لإقامة دولة بحدود 1967، واليوم كل العرب والمسلمين لا يستطيعون فك الحصار عن غزة، بل نطالب العالم بمساعدتنا لإدخال المعونات ولضمان تنقل اهل غزة) اما النموذج التاريخي لتراجع اهدافنا فهو: رفع اجدادنا شعار الثورة العربية الكبرى على تركيا _الحكم العثماني_ من اجل الاستقلال والحرية، فوجدنا انفسنا 22 دولة تحت هيمنة زعماء سايكس بيكو، ولا نعلم كم سنصبح بعد الفرز الانتخابي الجديد بالكيان الصهيوني وتطبيق صفقة القرن!!!
لنبحث عن اسباب تراجعنا في تركيبتنا السياسية والحزبية وثقافتنا الثورية وتربيتنا الوطنية، بدل ممارسة الاسقاط النفسي على الاخرين.
يا زعماء الارض المحتلة اتعبتنا القمم العربية واتعبناها وماتت احلامنا على اعتابها. القراءة السياسية لمقاومة الاحتلال على اساس مشروع تسوية او عملية سياسية يجب ان تختصم امريكا اولا واخيرا لأنها صاحبة مشروع التسوية بالمنطقة وتريد انهاء الصراع الصهيوني العربي لمواجهة الصين، وما تعيين السفير الامريكي ديفيد فريدمان لدى الكيان الصهيوني الا لمراقبة تنفيذ هذه السياسة، وما الدعم الامريكي لنتنياهو بالحملة الانتخابية الا لتنفيذ هذا المسار، ويجب قراءة نتائج انتخابات الكيان على اساس بنية المجتمع الصهيوني واعادة تحليل سياسة الاحزاب وفق رؤية صفقة ترامب نتنياهو ومراجعة ايديولوجيا الطبقة الحاكمة بأمريكا ثم اسقاطها على الكيان وادواته لنستطيع مواجهة مشروع التصفية بالمنطقة، وما دعوة غانتس ونتنياهو للقاء ترامب الاخير الا لتنسيق الادوار السياسية ببعدها الامبريالي لخدمة وحيد القرن الامريكي بالعالم.
الخوف من الحرب يقربها اكثر، لذا نناشد الانظمة والحكام العرب: لا تكرروا مواقف الدول الاوروبية ابان الحرب العالمية الثانية مع المانيا النازية، حيث وقعت معظم الدول الاوروبية اتفاقيات عدم اعتداء مع هتلر وقدمت تنازلات وفلسفت مواقفها بعدم المشاركة في حرب تدميرية للعالم والاقتصاد، والنتيجة استأسدت المانيا وهاجمت الجميع وانسحبت من عصبة الامم المتحدة سنة 1935م وعسكرت المجتمع الالماني لمطاردة من يعترضها _اعتبروا...اعتبروا انتم تحاولون توقيع اتفاقيات عدم اعتداء مع الكيان الصهيوني لحماية انفسكم وعروشكم وهذا لا يجدي نفعا. أنتم تقدمون كل ما تطلب امريكا لتبتعدوا عن شبح الحرب، وتجتهدون لاسترضائهم. هذه السياسة لن تجدي نفعا لأن سياستهم استعمارية لنهب ثروات المنطقة وليست مرحلة عابرة بالبيت الابيض والكنيست، لذلك لا بد من استرضاء الشعوب وتمتين الجبهة الداخلية لمواجهة الذل والهوان وسيكون اقل كلفة واكثر احتراما ومحبة وشرفا وزعامة للامة والعالم.