استطاع فيروس كورونا جذب انتباه رئيس السلطة، ودفعه لإصدار مرسوم رئاسي، يقضي بإعلان حالة الطوارئ، في جميع أراضي السلطة الفلسطينية لمدة شهر، تبعه قرارات صارمة من رئيس الحكومة في رام الله محمد اشتية، بتعطيل المدارس، والجامعات، ورياض الأطفال، مع إبقاء احتمالية إغلاق المعابر الحدودية كافة مع دول العالم، وإغلاق كامل للمناطق السياحية والدينية.
فهل حجم الإصابات من حيث الأعداد والانتشار يفرض الدخول في وضع طوارئ؟! أم أن هناك ظروفا وأسبابا أخرى تدفع السلطة لاتخاذ هذا القرار المفاجئ؟! وما هذه الانتقائية في مواجهة المهددات الخارجية؟!
من الواضح أن حجم الإصابات لا زال محدودا في الضفة الغربية في أماكن معينة تتركز في بيت لحم، كما أن الفيروس لم يتسلل إلى باقي الضفة، ولم تسجل أي من الحالات في قطاع غزة، وبالنظر لعدد الحالات والوفيات على مستوى العالم وأكثرها في (الصين، وإيران) لم تتخذ إجراءات من شأنها إدخال البلاد تحت نظام الطوارئ، إنما تم تعزيز المرافق الصحية واتخاذ تدابير وقائية بالحجر، والتشديد على المعابر، وتكثيف الإجراءات الكفيلة بتطهير وتعقيم الأماكن العامة إضافة إلى حملات الوعي والتثقيف المنظمة.
فظهور رئيس السلطة أكثر حيوية وتحمسا، لمواجهة مفتوحة، مع فيروس دخيل على الأراضي الفلسطينية شيء استحسنه البعض، وامتد لاستجابة تامة من المؤسسات الرسمية في قطاع غزة، امتثالا لمرسوم سيادته، وحرصا على القرار الوطني الجامع، وحماية لشعبنا من الخطر القادم، في وقت بقيت فيه (كورونا العقوبات العباسية) قائمة، والتي فتكت بالمرافق وأدخلت الناس في حالة موت بطيء، بفعل عده رئيس السلطة علاجا ناجعا للانقسام، في استخفاف واضح بمصير شعبنا، متجاهلا آلامه، وعذاباته، وهو يدخله حقل تجارب ميزانه الطيش السياسي، وجنون التفرد.
فكيف لهذا الجسد المتهالك (غزة) أن يحتمل وباء العقوبات ووباء كورونا في ساعة واحدة، على الرغم من أن العلاج جاهز، ويمكن تناوله برفع العقوبات فورا، على الأقل لتعزيز المناعة الداخلية للغزيين، فنحن لسنا ضد الطوارئ حتى لا يساء الظن فينا، فقد دعونا لها منذ وقوع كارثة صفقة القرن، لكن وباءها على ما يبدو لم يصب سوى الوطنيين، ولم تكن عدوى ذات انتشار، فقد استحسنها البعض يومها وإن أظهر سيفه الخشبي وركب حمارته العرجاء وقال حي على القتال، فمن يتسلح لمواجهة الاخطار لا يمكنه الانتقاء بينها.
فكورونا قد تكون أرحم من وباء التنسيق مع (إسرائيل)، والذي وصل لبيوت المطاردين والمناضلين، وكل من أراد تطهير المجتمع من الوبائيات غير الوطنية، والفيروسات الدخيلة، والذي كان آخر ضحاياه النائب الفتحاوي حسام خضر، والذي يخضع (لحجر أمني)، وليس صحيا، لتبقى السلطة محصنة من أي محفزات أو دعوات وطنية، وتعيش (إسرائيل) "منبت المرض" مطمئنة دون إزعاج، ولا تشهد خروجا عن المألوف في الموقف الفتحاوي، لأنها تدرك أن هذا الصوت وغيره قد يوقظ بندقية المارد الفتحاوي ويفتح الطريق لبنادق المقاومة، ويشكل خطرا فتاكا لا يمكن احتماله.
وفي النهاية من يؤيد ومن يعارض، يدرك تماما أننا نغرق جميعا إن بقينا مشرذمين ضعفاء، نهرب من الأفاعي لنقف في مرمى الصياد، والمشهد ليس غريبا فالستار بات ممزقا، والكل يعرف نوايا هذه السلطة، وعصابتها الحاكمة، تدير قرص النار عن نفسها، علها تدفع عن نفسها المأزق السياسي الراهن، وتعفي نفسها من مواقف وطنية أكثر جدية في مواجهة الصفقة، وتأمن ما تبقى من أيام في حياة زعيمها المفدى، الذي باتت تؤرقه هتافات واحتجاجات نقابية ومجتمعية، لا يجد أمامها سوى أصحاب اللثام والهراوات السوداء، لتنفيذ مناورات بنيران صديقة، يستعرض فيها بطولات فض الاشتباك والسحل في الشوارع، ويختمها بطوارئ مفتعلة.