تكبرُ كرة التطبيع الرسمي العربي مع دولة الاحتلال الإسرائيلي، ويحتفي الأخير بين وقت وآخر بتحقيق اختراقات متتالية في هذا المضمار، دون تقديم أثمانٍ سياسية أو التزامٍ بإنهاء الاحتلال وإعادة الحقوق الفلسطينية، غير أن هذه الكرة على كبر حجمها وخطورتها تنهار فتاتًا أمام موقف الشعوب العربية والإسلامية الصلب من الاحتلال وإقامة أي علاقات معه على حساب الفلسطينيين.
ولا ينفك قادة الاحتلال الإسرائيلي يعلنون باستمرار لقاءات سرية وعلنية مع مسؤولين عرب، ويتحدثون عن "نقلات كبرى" في العلاقات المتبادلة مع دول عربية، حتى تلك التي كانت تضع هذه العلاقة تحت مربع "الرفض التام والمجرّم".
يقول المدير العام لمركز دراسات الشرق الأوسط في الأردن جواد الحمد: "إنّ الشعوب العربية والإسلامية تشبه إلى حد كبير "جدار منيع"، يقف عصيًا على محاولة أي اختراق لتمرير قطار التطبيع أو قبوله".
ويشير إلى أن ما يدعم تشبيه مواقف الشعوب العربية بـ"الجدار" النتائج الحاصلة المكشوفة للشعوب العربية، من بعد عقد اتفاقية كامب ديفيد ووادي عربة وأوسلو، التي بعد سنوات طوال لا تزال ترفض الاحتلال أو قبول أي من مشاريعه.
ويضيف لصحيفة "فلسطين": "مضت 42 عامًا على اتفاقية كامب ديفيد بين مصر و(إسرائيل)، ولم يتحول التطبيع إلى حالة شعبية مقبولة بين المصريين، وأكثر من 26 عامًا على اتفاقية وادي عربة والأمر نفسه في الأردن، لا تغيير في مواقف الشعوب الثابتة".
ويؤكد الحمد أن موقف الشعوب "صلب" من التطبيع، وهو "رفض المشروع الصهيوني لكونه مغتصبًا أرض فلسطين"، ويشكل إلى جانب ذلك خطرًا إستراتيجيًّا داهمًا على الأمة العربية والإسلامية جمعاء.
ويرى أنّ ما يُعلن من وجود أفراد أو جماعات قبلوا التطبيع وداهنوا الاحتلال، لا يمثل سوى نسب قليلة جدًّا، وهي اختراقات متوقعة "تشترى في أغلب الظن بالمال والمصالح"؛ وفق وصفه.
ويشدد الحمد على أن موقف الشعوب العربية والإسلامية كحالة جمعية لن يتغير، وهو ينظر إلى الاحتلال أنه يمس الأمن القومي لبلادهم، مضيفًا: "هناك مكنون داخلي في قلب ووجدان الشعوب لا يمكن أن يقبل ويتقدم خطوة تجاه الاحتلال".
ووفق رأي مراقبين إن الاحتلال قلب "المعادلة التاريخية" في الصراع التي استندت إلى حل القضية الفلسطينية بإنهاء الاحتلال وتمكين الشعب الفلسطيني من تقرير مصيره، شرطًا لإقامة الدول العربية علاقات طبيعية مع (إسرائيل)، إلى معادلة إقامة علاقات مع الدول العربية أولًا مدخلًا مستقلًّا من دون حل القضية الفلسطينية.
دلالات كثيرة
رئيس المركز العربي الدولي للتواصل والتضامن معن بشور يؤكد من جهته أن دلالات موقف الشعوب الرافض للتطبيع مع الاحتلال كثيرة ولا حصر لها، وهي كشوكة في حلق الاحتلال يدرك جيدًا أنه لا يمكن نزعها.
ويلفت بشور في حديث مع صحيفة "فلسطين"، إلى أنه في مقابل ما يروج عن تنامي التطبيع المشترك واتساع رقعته بين دول عربية وإسلامية ودولة الاحتلال، تسطع أمثلة عربية ترفض التطبيع، وتعبر عن الوجدان العربي والإنساني الرافض للظلم والعدوان والاحتلال.
ويؤكد أن قياس نسبة الرضا عن الحكومات أو المستويات الرسمية المطبعة مع الاحتلال بين شعوبهم متدنٍّ جدًّا، ولديهم إدراك في المقابل أن القيام بهذه الخطوات تأتي على حساب الأمة وحساب القضية الفلسطينية.
ويشدد بشور على أنّ الشعوب العربية أمام حالات التطبيع الرسمية والفردية باتت تدرك جيدًا هذا الخطر، وقد فعّلت ذاتيًّا حالة المقاومة لديها، كما كان الحال في الأردن ولبنان وغيرها، بإيجاد حركات نشطة وفعالة للتطبيع، ما يدل على صحوة الشعوب ورفضها القاطع للتطبيع ومقاومته.
ويؤكد أن موقف الشعوب العربية والإسلامية "الحي" يدل على أن القضية الفلسطينية تبقى القضية الأولى، ومهما كانت محاولات الاحتلال ونجاحه في بعض المحطات، فإنها لن تفلح بجعل التطبيع شعبيًّا، وسيبقى معزولًا، ولا يمثل إلا من يدعو له فقط.
ويكمل بشور: "إن الجماهير العربية أثبتت أنها ليست في وارد الاستجابة لمغريات التطبيع، وأنها لا تزال على موقفها من فلسطين، والاحتلال، وإن التجربتين المصرية والأردنية الرسميتين أكثر ما يدل على هذا الأمر".