فلسطين أون لاين

حوار "العلاقات الدولية":التطبيع مع الاحتلال أخطر ما تطرحه صفقة ترامب-نتنياهو

...
(أرشيف)
غزة - نور الدين صالح

شدد رئيس مجلس العلاقات الدولية- فلسطين د. باسم نعيم على أن التطبيع مع الاحتلال هو من أخطر القضايا التي طرحتها صفقة ترامب-نتنياهو، الرامية لتصفية القضية الفلسطينية.

وفي حوار مع صحيفة "فلسطين"، قال نعيم: "صفقة ترامب-نتنياهو فيها عدد من المكونات الخطيرة، لكنّ أخطرها هو التطبيع بين دول الإقليم والكيان الإسرائيلي".

وأوضح أن "فتح العواصم العربية والإقليمية أبوابها للاحتلال، دون حل القضية الفلسطينية، والالتزام بحقوق الشعب الفلسطيني، يجعل من المستحيل على الفلسطينيين تشكيل ضغط على الاحتلال للالتزام بحقوقهم أو التراجع عن الجرائم التي يرتكبها بحقهم".

وأضاف: "إننا نمر اليوم بمرحلة من أسوأ المراحل من حيث الهرولة العربية والإقليمية للتطبيع مع الاحتلال".

وبيّن أن خطورة التطبيع تكمن في أن موقف "الدول العربية على ضعفه كان يُشكّل ورقة ضغط على الاحتلال، لكن هذه الورقة الآن خفتت وانفتحت الأبواب".

وعن معنى "التطبيع"، ذكر نعيم أنها كلمة "مضللة"، لأن تطبيع العلاقات يكون بين دول قائمة ومستقرة ومعترف بها دوليًّا، لكن في حالة دولة الاحتلال كلمة التطبيع تضلل وكأنها شيء طبيعي وموجود، وتبحث كيفية فتح القنوات وتسهيل العلاقات معها.

وشدد على أن "هذا الكيان ليس طبيعيًّا حتى يستعمل هذا المصطلح معه، وما يُسمى التطبيع هو عبارة عن تنازل من يقوم بهذه العملية عن حقوق الشعب الفلسطيني، ودعم للكيان في مسيرته التي يطغى عليها الإرهاب والإجرام".

"انعكاسات خطيرة"

وعن مخاطر التطبيع، أكد رئيس مجلس العلاقات الدولية أن له انعكاسات سلبية خطيرة جدًّا، ليس فقط على القضية الفلسطينية وحدها، إنما على المنطقة برمتها والأمة العربية عامة.

وتابع: "إذا فتُحت العلاقات العربية مع الاحتلال دون حل الصراع، فما الذي سيجبره على أن يرضخ لمطالب الشعب الفلسطيني وحقوقه العادلة؟!".

وأوضح أن عدم وجود التطبيع كان واحدًا من أهم العوامل التي تحول دون أن يتغول الاحتلال على حقوق الشعب الفلسطيني، وأن يستمرئ ارتكاب المجازر وانتهاك المقدسات وسرقة الأراضي.

وعن الانعكاسات أيضًا، قال: "إن هناك حقوقًا على الأرض الفلسطينية، ولكنها ليست ملكًا للفلسطينيين فقط، مثل القدس واللاجئين، اللذين يُشكّلان بؤرة الصراع"، مشيرًا إلى أن الاحتلال يحاول إضعاف المنطقة بكل الطرق الممكنة.

وقال: "إذا فُتحت الأبواب العربية والعواصم للاحتلال فسنجد خلق الفتن وتسعير نيران الحروب بين الدول، لذلك سيكونون سببًا لاستمرار هذه الأزمات واشتعال النيران في المنطقة، حتى يبقوا هم الدول الوحيدة المتصدرة المشهد، لأن البقية ستصبح منشغلة بحروبها".

وبيّن أن الاحتلال لا يتطلع إلى التطبيع فقط مع الأنظمة، إنما يُركّز على الأبعاد غير السياسية أيضًا، مثل الجوانب الرياضية أو الثقافية والإعلامية لاختراق الشعوب من خلالها، بهدف هزيمة العقلية العربية والإسلامية، وإعادة صياغة الوعي العربي والمسلم لمصلحة قبول هذا الاحتلال.

وأكد أن كل محاولات الاحتلال للتفرد والتمدد في المنطقة ترمي لإقامة ما تُسمى (إسرائيل) "الكبرى" التي يُخطط لها منذ سنوات عدّة، محذرًا من أن الأخطر اليوم "هو استهداف الأمة ثقافيًّا وإعلاميًّا وفكريًّا لتمرير الكيان".

ووفق ما يرى نعيم، إن (إسرائيل) تُدرك أنه لن يكون هناك تطبيع حقيقي، إذا لم ينتقل مستوى التطبيع من الحكام إلى الشعوب.

من السر إلى العلن

وعن الدوافع والأسباب التي أدت إلى انتقال التطبيع العربي من السر إلى العلن، رأى أن العامل الأساس للهرولة السريعة وكشف المستور هي الرؤية الأمريكية الجديدة في المنطقة، القائمة على دمج الاحتلال في الإقليم، وجعله من يقود الرؤية الأمريكية في المنطقة.

ولفت إلى أن التطبيع كان قائمًا سرًّا، مستدركًا: "لكن اليوم مع المعادلة الجديدة في المنطقة التي تحاول أمريكا فرضها بالقوة والإرهاب، يُعاد تعريف وتشكيل المنطقة من جديد، بحيث يُحوَّل الجيران والأصدقاء إلى أعداء، والأعداء إلى حلفاء".

ونبه إلى أن المُطبعين ينقسمون إلى ثلاثة أقسام، الأول تحت سطوة الضغط الأمريكي وخوفهم على استقرار دولهم وعروشهم يُجارون هذه الضغوطات ويفتحون العلاقات.

والقسم الثاني -وفق ما ذكر نعيم- دول "متخاذلة" ولا تجرؤ على التعبير عن ذلك التطبيع، والآن جاءت الفرصة لإعلان موقفها بصراحة، أما القسم الثالث فيتمثل في بعض "الحاقدين" على الفلسطينيين والقضية، تكون مواقفهم مزدوجة بين محاولة الدفاع عن التطبيع وشتم الشعب الفلسطيني واتهامه بما يسمى "الإرهاب".

وانتقد ردة فعل الشعوب العربية على تطبيع حُكامها مع الاحتلال، واصفًا إياها بأنها "أقل بكثير مما هو متوقع".

ونبّه إلى أن الأمة تمر بحالة ضعف نتيجة الاقتتال الداخلي والأزمات التي تعصف بها، بفعل إجراءات الاحتلال وأمريكا، قائلًا: "الاحتلال قبل أن يخطو نحو التطبيع أغرق الدول بالهموم، وأرهب الحكام بسطوة القوة الأمريكية".

وأضاف: "هناك حالة خوف وجهل أيضًا في الشعوب العربية، لذلك ردة فعلها ضعيفة، ولكن قناعتنا أن الأمة تؤمن بأن العدو الأساسي في المنطقة هو الاحتلال".

"عرّاب التطبيع"

في السياق استهجن نعيم موقف السلطة المُتماهي مع التطبيع العربي مع الاحتلال، واصفًا إياها بـ"عرّاب التطبيع".

وقال: "ما ترتكبه السلطة بحق الشعب الفلسطيني وقضيته جريمة بكل معاني الكلمة، باستمرارها في نهج المفاوضات الذي أثبت فشله على مدار 27 سنة".

وشدد على أنه "لا يُمكن أن يكون هناك حل لمسألة التطبيع، دون موقف فلسطيني وطني موحد يُجرّم هذه العلاقات"، مطالبًا السلطة بإعلان "التوبة" من التطبيع مع الاحتلال تحت أي مسوغ، والانسحاب من اتفاقية أوسلو وباريس ومقاطعة الاحتلال.

كما دعا الفلسطينيين لبذل كل ما يستطيعون لإبقاء الوعي حيًّا بتجريم التطبيع، بتشكيل حالات فردية أو جماعية أو شعبية، للتذكير بأصل الموضوع، وهو أن "هذا الكيان محتل غاصب"، وذلك ضمن رؤية وطنية مُعدّة مسبقًا.

وأكمل: "هناك تحركات على المستوى العربي، ونتيجة للضغوطات الشديدة تكون بحذر"، مستدركًا: "لكن ما زالت هناك أصوات عالية ترتفع من هناك وهناك ضد التطبيع، على شكل أفراد ومؤسسات وغيرها".

وفي 28 كانون الآخر (يناير) الماضي، أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في مؤتمر صحفي مشترك مع رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو، خطته لتصفية القضية الفلسطينية، ومن بنودها: عد مدينة القدس المحتلة كاملة "عاصمة" لـ(إسرائيل)، ومنع عودة اللاجئين الفلسطينيين إلى الأراضي المحتلة سنة 1948م، والإبقاء على المستوطنات في الضفة الغربية المحتلة، وسيطرة الاحتلال على منطقة غور الأردن وشمال البحر الميت.

وتشترط صفقة ترامب-نتنياهو على الفلسطينيين الاعتراف بما يسمى "يهودية" (إسرائيل)، وسحب سلاح المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة، والتفاوض مع الاحتلال الإسرائيلي على أساس ذلك، للنظر في إقامة دولة فلسطينية مستقبلية، بلا سيادة، على ما تبقى من أراضي الضفة والقطاع.

 حتى هذه الخطة تنسف ما تعرف بـ"مبادرة السلام العربية" المقرة في 2002م، التي تشترط إنهاء احتلال أراضي ما تعرف بحدود 1967م، للتطبيع مع (إسرائيل).