ظهر أول من أمس اتصلت عليّ والدتي لتطمئن عليَ، شعرتُ أن باتصالها ريبة، وسمعتُ من خلف صوتها أصوات من الانفجارات المتعاقبة، "أمي ماذا يحدث؟"، فترد: "انفجارات متتالية ولا نعرف شيئًا!".
بعد ثوانٍ اتضحت الصورة، حريق في مخيم النصيرات، يبدأ من مخبز وسط المفترق الرئيس، ليصل إلى أكثر من عشرة محال تجارية وبسطات وسيارات، وصولًا إلى مخزن أخشاب احترقت بالكامل، أدى ذلك إلى ارتقاء شهداء من رجال ونساء وأطفال، ووقوع إصابات بالعشرات، وخسائر مادية لا تحصى ولا تقدر.
دعونا قبل كل شيء نترحّم على الشهداء، وندعو بالصبر والسلوان لذويهم، وحقيقة ما حدث يشكل مأساة غير هيّنة على نفوس من ليس لهم متضررون، فما بالكم بمن فقد حبيبًا، أو أصيب، أو تضرر ماديًا.
ثم إن المشهد البطولي الذي رأيته بعينيَّ لرجال الأجهزة الشرطية والدفاع المدني كان حقًا على قدر وجع الحدث وعِظم المأساة، ومن الملفت أن أعضاء الأجنحة العسكرية المسلحة كانوا بكامل عتادهم ولباسهم في قلب الحدث بعد أقل من نصف ساعة من وقوعه، أضف إلى ذلك المواطنين، فقد ضخت سيارات المياه الحلوة ماءها على النيران المشتعلة، وامتلأت سيارات الباطون بالماء بدلًا من الخرسانة، وتدخلت الجرافات لتفتح طرقًا في وسط النار تتيح للدفاع المدني والإسعاف أن يصل إلى أي مصاب، فكل الشكر والتقدير لهم، ولولا جهدهم -بعد تقدير الله- لكنا أمام عدد أكبر من الشهداء.
على صعيد آخر -ولن أطيل هنا- يكرر أهل السوشيال ميديا خطأهم المعروف بنشر أخبار دون تثبّت، والتسرع في التوقعات والتكهنات التي تزيد الحدث ضررًا، والمتابعين وجعًا، لا أكثر.
وعلى صعيد أخير، نسأل عمن يتحمل المسئولية، ونود إجابات شافية، وإجراءات رادعة ليس فقط تجاه من وقع لديهم الانفجار، بل ربما تجاه مسئولين قصروا في أداء دورهم، وإلزام التجار باتباع معايير السلامة، هذا كله ليس وقت الحديث الآن، فمن الواجب التحقيق والتحميص، وإنصاف الجميع، وتعويض أهل الشهداء، والمصابين، والمتضررين.
بعد الانفجار بساعتين، اتصل علي صديق يريد السؤال عن المصابين والشهداء، فربطته مباشرة في مكالمة جماعية مع جهة طبية مسئولة، وفوجئنا بأن ابنة عمه وبنتيْها كُنَّ من شهداء حريق النصيرات، فالرحمة لأرواحهم جميعًا.