إذا كان الإعلام العبري ينتقد ثقافة الكذب بين قادة دولة الاحتلال في كل ما يتعلق بقطاع غزة، حيث يتبارى القادة في تهديد قطاع غزة بحرب موسعة، ويزعمون أنهم سيضعون حدًّا لصواريخ حماس خلال الأشهر القادمة، أي بعد الانتخابات، ولكثرة التهديدات، ومزايدات غانتس ضد نتنياهو، واتهام بينيت لغانتس بالخوف من دخول غزة عندما كان رئيسًا للجيش، بات المواطن الإسرائيلي لا يصدق قادته، ويتهمهم كلهم بالكذب عليه، المقاومة إذًا نجحت في تعرية قادة الجيش وقادة الحكومة، ووضعت حاجزًا بين السكان والقادة.
المقاومة إذًا نجحت في المعركة العسكرية، ونجحت في المعركة الأمنية، ونجحت في المعركة النفسية، وبهذا تكون قد تفوقت على الاحتلال في ثلاث معارك مهمة، ولو كانت تمتلك سلاحًا كافيًا لخاضت معركة السيطرة على الأرض. وهي ولا شك معركة قادمة لا محالة. من يعمل ضد العدو بنية الخلاص منه، وإرادة الانفكاك عنه يصل يوما إلى ما يريده. أما من يبحث في أثر الاحتلال في كل مكان لكي يعود الى المفاوضات فلن يصل البتة.
تحدثت المواقع الإخبارية أن الأمير قابوس بن سعيد حين التقى بنتنياهو في مسقط عرض عليه أن يرتب له لقاء سريًّا مع محمود عباس، فلم يتلقَّ جوابًا واضحًا، ثم عرض ذلك على محمود عباس عندما زار مسقط فوافق عباس على اللقاء والعودة إلى المفاوضات، ولكن نتنياهو رفض؟! المهم أن الإعلام الفلسطيني الرسمي يزعم أن عباس هو من يرفض لقاء نتنياهو، بينما مسقط تقول غير ذلك.
إذا كان مجتمع الاحتلال يعيش حالة الكذب مع قادته، فنحن في فلسطين نعيش حالة كذب أسوأ مع عباس وحاشيته، ويبدو أنه لا حل لمسألة الكذب بين زعماء هذا الزمن الرديء؟!
لماذا يلهث عباس خلف لقاءات ومفاوضات عاش في ظلالها القاتمة سنوات وعقودًا، وحطم قدرات شعبه على المقاومة، وما زال يبحث عن شريك صهيوني كأولمرت مثلًا؟! لماذا يعيش على أمل وجود قيادة جديدة في (إسرائيل) ليعود إلى المفاوضات؟! هل بقي شيء محتمل يغري بالكذب، والبحث عن شريك صهيوني؟!
إن المثل الذي ضربته غزة في إفشال طموحات الاحتلال، وردعه عن دخولها والعودة إليها، هو المثل الذي يجدر أن تطبقه الضفة الغربية. إن عودة الضفة للمقاومة سوف يأتي بنتائج أفضل للضفة، وستأتي هذه النتائج بشكل أسهل، لأن بيئة الضفة بيئة جغرافية جيدة صالحة للمقاومة، إذا ما تخلص الشعب هناك من الكذابين، الذين يلهثون خلف مفاوضات فارغة المضمون.