فلسطين أون لاين

58 شهيدًا في "ثلاجات الموتى" منذ 2015

تقرير عائلات الشهداء المحتجزة جثامينهم.. "دائرة الحزن لا تكتمل"!

...
غزة - يحيى اليعقوبي

وحدها الدموع ظلت تواسي والدة الشاب محمود سعيد (18 عامًا) الذي اعتقله جيش الاحتلال مع آخريْن في السادس والعشرين من يناير الماضي، قرب السياج الفاصل شرق مخيم المغازي ومنذ ذلك الحين لا تعرف إن كان حيًّا أم شهيدًا.

30 يومًا مرت بطيئة على قلب الأم، كانت أشبه بـ(30) عامًا، حتى اللحظة لم يصلها أي شيء يبرد نار قلبها، تواسي نفسها بخيوط أمل جاءتها من بعض شهود عيان لحظة الحدث، تعيد النبض إلى قلبها.

قبل شهر حينما قابلناها بمنزلها بمخيم المغازي، كانت ملامحها يكسوها الحزن، غارقة ببحر من القلق والخوف، على هذا الحال كانت تجلس في صالة استقبال الضيوف تتجمع حولها النسوة اللواتي جئن لمواساتها في مصابها.

"أنا بدي أعرف بس عايش ولا ميت".. قالتها حينها، وكررتها اليوم مرة أخرى لكن بأمل جديد: "ما زلت متأملة بأن يكون ابني على قيد الحياة هو ورفاقه (..) شهود عيان قالوا إنهم شاهدوا الجيب الإسرائيلي يعتقلهم قرب السياج الفاصل، وآخرين قالوا إنهم شاهدوهم أحياء، وأصبح لدي شعور أنه حي، لكن لا معلومات حتى الآن، كل يوم أجلس أمام البيت أرقب أن يطل علينا".

محمد هاني أبو منديل، سالم زويد النعامي، محمود خالد سعيد، ثلاثة أطفال يدرسون بمدرسة واحدة بالثانوية العامة بمخيم المغازي، أطفأ غيابهم النور لدى عائلاتهم التي تنتظر معرفة مصيرهم لدى الاحتلال، وسط تخوفات من ارتكاب جيش الاحتلال مجزرة بحق أبنائهم الشهر الماضي.

انتظار طويل

هنا لا تطالب أزهار أبو سرور إلا بأبسط الحقوق التي شرعتها الديانات السماوية وهي دفن جثمان نجلها الشهيد عبد الحميد المحتجز لدى الاحتلال منذ قضى في 18 إبريل/ نيسان 2016م.

أربعة أعوام مرت منذ ذلك الحين وأبو سرور تطالب بحق استعادة الجثمان، كرست حياتها لأجل هذا المطلب لكن دون استجابة. وتقول هذه الأم المكلومة لصحيفة "فلسطين": لا يمكن أن يصدق الأهل بأن الأمر انتهى إلا بعودة الجسد (..) شككنا مرارًا وما زلنا نشكك ونقول بأن مصير أبنائنا مجهول طالما لم نستلم الجثمان، وحصلت على تقرير طبي من معهد أبو كبير وقرار الدفن من الاحتلال لكن كل ذلك كان غير كافٍ لإثبات أي شيء بل على العكس".

"هو شعور الأم والعائلة أولًا بضرورة تقديم الواجب الأخير لابننا وأيضًا هو حق للشهيد بدفنه بكرامة وعرس يليق به، لذلك لم أسلم للأمر وتم التواصل مع المؤسسات القانونية وأهالي الشهداء ووزارة العدل لتشكيل فريق وطني والكشف عن مصير أبنائنا، وحقنا في زيارتهم لأنهم يعدون أسرى".. بهذا تؤمن وتطالب ولا تعترف بقرار دفنه المؤقت.

ترقب وانتظار

ويقول المتحدث باسم عائلات الشهداء المحتجزة جثامينهم لدى الاحتلال، المحامي محمد عليان، إن الاحتلال يحتجز جثامين 58 شهيدًا منذ عام 2015م حتى اللحظة، أقدمهم عبد الحميد أبو سرور، وآخرهم محمد الناعم الذي نكلت جرافة إسرائيلية بجثمانه شرق خان يونس.

وأشار إلى أن 4 من هؤلاء الشهداء متيقنون بدفن الاحتلال لهم بمقابر مؤقتة حسب قرار لحكومة الاحتلال صادر في الأول من يناير2017م يعطي الأمر للجيش بدفنهم بمقابر مؤقتة، وهم عبد الحميد أبو سرور، ومحمد الطرايرة، ومحمد الفقيه، ورامي عورتاني.

وأضاف عليان لصحيفة "فلسطين"، أن "احتجاز الجثامين يؤلم عائلاتهم التي تواصل انتظار استلام الجثمان".

وتابع: "كثير من الحالات أعلن عن استشهادهم لكن لا يوجد تقرير يدلل على ذلك، ولا أي عائلة عاينت ذلك، لذلك تبقى العائلات في حالة انتظار وترقب لمعرفة المصير، لذلك نعدهم مختفين قسرًا لأن مصيرهم غير معروف وهذا المؤلم".

وأشار والد الشهيد المحتجز "محمد" إلى أن مبررات الاحتلال بأن سبب الاحتجاز يأتي للضغط على المقاومة للإفراج عن الجنود المفقودين بغزة، وهو للتغطية على جريمة الاحتجاز.

ويؤكد عليان أن احتجاز الجثامين هدفه عقاب الأهل ووضعهم في حالة لا يقين وترقب وألم ووجع دائم، وإخفاء نوع الجريمة، أو سرقة أعضاء، وهذا مخالف للقانون الدولي والشرائع السماوية.

جريمة حرب

الخبير القانوني صلاح عبد العاطي يقول: "إن احتجاز الجثامين جريمة ترقى إلى جرائم الحرب لأنها تخالف اتفاقيات جنيف الأربع التي تجبر الأطراف المتنازعة على تسليم الجثامين وفق الشرائع والمواثيق الدولية".

وأضاف عبد العاطي لـ"فلسطين"، أن دولة الاحتلال تخرق هذه الأحكام وتستمر بمسلسل احتجاز جثامين الشهداء، خاصة أن هناك تحقيقات أكدت قيامها بسرقة أعضاء الجثامين.

وشدد على أن هذه الجرائم ينبغي متابعتها من مكتب المدعي العامة لمحكمة الجنايات الدولية، لضمان فتح تحقيق جاد في جرائم الاحتلال"، عادًّا احتجاز الجثامين شكلًا من أشكال العقاب الجماعي وانتهاكًا جسيمًا لحقوق الإنسان، تخرق فيه دولة الاحتلال وتتنكر لكل قواعد القانون الدولي.