إمعاناً في ممارسة الإرهاب المتواصل بحق الشعب الفلسطيني وتطوير الأدوات والوسائل الصهيونية لاقتلاع هذا الشعب من أرضه وتهجيره، تمر الذكرى السادسة والعشرون لمجزرة الحرم الإبراهيمي البشعة التي ارتكبها المتطرف "باروخ غولدشتاين" القادم من الولايات المتحدة الأمريكية، والمستوطن في مستوطنة "كريات أربع" بحق المصلين داخل الحرم الإبراهيمي في مدينة الخليل بتاريخ ٢٥ فبراير ١٩٩٤ والتي راح ضحيتها حوالي 180 شهيدا وجريحاً في عمل إجرامي مخطط له من مستويات سياسية وإيديولوجية صهيونية حاقدة.
تأتي ذكرى مجزرة الإبراهيمي على الشعب الفلسطيني في هذه الأوقات وما زال أسيراً لسياسات الاحتلال وبطشه في مختلف المناطق الفلسطينية المحتلة، بل يتباهى بمخالفاته الجسيمة وتهديداته المستمرة بالأخص لمدينة القدس ومقدساتها ومدينة خليل الرحمن وبيت لحم وغزة ضاربا بعرض الحائط قرارات الشرعية الدولية الداعية إلى حماية السكان المدنيين والأماكن الدينية.
هذه الجريمة البشعة تأتي كأكبر حادثة اعتداء صارخ بحق الفلسطينيين بعد توقيع اتفاق اوسلو في 13/9/1993 من جانب أول، وفرضت هذه المجزرة أجواء إرهابية بحق الفلسطينيين وخاصة أنها وقعت في قلب البلدة القديمة في الخليل من جانب ثانٍ، وساهمت هذه المجزرة بقرار رسمي من حكومة الاحتلال بتقسيم المسجد الإبراهيمي وإبقاء الجزء الأكبر منه تحت سيطرة المستوطنين من جانب ثالث، كما أدت هذه الجريمة إلى تراجع التواجد الفلسطيني في البلدة القديمة وتقليص عدد العائلات الفلسطينية القاطنة في محيط المسجد الإبراهيمي من جانب آخر.
وكما هو الحال في جميع المجازر والمذابح الوحشية التي تعرض لها الفلسطينيون داخل الوطن وخارجه على أيدي الإرهاب الصهيوني، فإنه من غير الممكن لأي عاقل أن يتكهن باحتمال خروج مجزرة الحرم الإبراهيمي من الذاكرة القومية، وبالأخص من الذاكرة الفلسطينية، وبأخص الخصوص من ذاكرة من عاشوا أحداثها المفجعة والكارثية لحظة بلحظة.
تأتي ذكرى مجزرة الحرم في الوقت الذي تمنع فيه سلطات الاحتلال رفع الأذان وتغلق الحرم وتمنع المصلين من الوصول إليه وفق مخطط ممنهج ومستمر ابتداء من نكران حق الآخر بالوجود مرورا بالمجازر التي ترتكب بحقنا كفلسطينيين أصحاب الأرض الأصليين ...وهذا يعني بأن سلطات الاحتلال تنشط في الاستيلاء على الأراضي والأماكن الدينية الفلسطينية وفق برنامج استراتيجي يقوم على ابتلاع الأرض وتهويدها ناهيك على أن المجتمع الدولي حتى تاريخه لم يتخذ قرارات بقوة الإلزام تجاه (إسرائيل)، بل يكتفي بالشجب والإدانة والاستنكار مما يشجع الاحتلال على الاستمرار بانتهاكاتها الجسيمة.
إن هذه الجريمة تقع ضمن إطار الجرائم ضد الإنسانية، لأنها انصرفت إلى قتل المدنيين الفلسطينيين على أسس عنصرية ودينية مما يستوجب تفعيل قواعد القانون الدولي ذات الشأن بالجرائم ضد الإنسانية وتقديم مجرمي الحرب أمام المحاكم الدولية والوطنية المختصة في هذا المجال، مع العلم بأن قوات الاحتلال الإسرائيلي تواصل بعد ارتكاب مجزرة الحرم تنفيذ كل تدابيرها المشددة لتقييد حركة المواطنين والتنكيل بهم وبخاصة على الحواجز العسكرية الدائمة والفجائية وفرض حظر التجوال على بعض الأحياء ومنع التنقل ضمن العديد منها جنوب مدينة الخليل وأقصى شمال المحافظة وعلى بعض الطرق بين بلدتها ..ناهيك عن إقدام سلطات الاحتلال على إغلاق مسجد ومحيط الإبراهيمي أمام المصلين والزوار، فيما فتحت وتفتح أبوابه أمام المستوطنين وأنصارهم ..وتجدر الإشارة إلى أن سلطات الاحتلال تقوم بإغلاق الحرم الإبراهيمي مدة عشرة أيام وذلك بموجب قرارات لجنة "شمغار" الإسرائيلية التي تشكلت عقب مجزرة الحرم، والتي قسمته ووضعت جدولاً بإغلاقه أمام المسلمين في الأعياد.
ولمن لا يعلم من العرب والمسلمين وأحرار العالم فإنه لم يتبقَ لهم وللفلسطينيين من الحرم سوى التأمل في بنيانه عن بُعد، وقراءة تلك اليافطة التي تصدرت واجهته وكُتب عليها "ممنوع الصلاة في هذا المكان"، ولم يتبقَّ لكم سوى رؤية هذا المعلم الديني المبارك في وسائل الإعلام المرئية والمكتوبة، والحصول وشراء صوره من الأسواق الصهيونية!!
ولمن لا يعلم أيضاً، فإن مجزرة الحرم الإبراهيمي فتحت أمام الإرهابيين الصهاينة باب الغنائم على مصراعيه فنهلوا من الشريان الفلسطيني ما لم يكفهم، وسينهلون منه ما لم يشبع نهمهم في قابل الأيام، بحيث يُترك الجسد الفلسطيني ينزف حتى الموت تحت سمع وبصر الأشقاء العرب.