فلسطين أون لاين

أولمرت حمامة السلام

...

ألقى الرئيس أبو مازن خطابه على منصة مجلس الأمن معترضًا فيه على صفقة القرن، ومعلنًا رفضه لها كما كل مكونات الشعب الفلسطيني في جميع مواقعه، "بالرغم من لغة التشكيك التي عبر عنها البعض" خاصة في ظل الهجمة الأميركية الممنهجة على حقوق شعبنا ومقدساته وفي ظل تأكيد أبو مازن على تمسكه بخيار المقاومة السلمية فقط.

من المؤسف أن لهجة الخطاب غلب عليها "الاستجداء" و"الاستعطاف" في عالم لا يعترف إلا بلغة القوة والعربدة والإملاءات وبالتحديد في ظل وجود الرئيس الأمريكي المتسلط ترامب والذي أعطى لـ(إسرائيل) ما لا تحلم به من غطاء وحماية، هذه اللغة لا تلائم عدالة قضيتنا التي أقرتها جميع القوانين والأعراف والشرائع الدولية وتضحيات شعبنا على مدار عقود طويلة.

وفي أعقاب الخطاب اجتمع أبو مازن مع إيهود أولمرت رئيس الوزراء الصهيوني السابق في لقاء وصف بالحميم مع حمامة السلام الإسرائيلي (حسب تعبير المجتمعين)، وقد سادت أجواء من الحسرة على ما مضى بالرغم من أولمرت ومن قبله رابين الذي شمله المديح والترحم من قبل الرئيس لم يفعلوا شيئًا لمصلحة الشعب الفلسطيني مع أنهم مكثوا سنوات في حكم كيان الاحتلال، فقد كان رابين من مؤسسي كيان الاحتلال ومن أكثر المخلصين لهذه الدولة، ولم يكن يومًا يهتم بإعادة الحقوق لأصحابها وكان حريصًا على كسب الوقت والمصالح لكيانه ولتثبيت أركان دولته وقد تلطخت يداه بدماء آلاف الفلسطينيين والعرب.

والأدهى أن كثيرًا من الصهاينة قد اعترضوا على لقاء أبو مازن أولمرت، فقد وصف سفير (إسرائيل) بالأمم المتحدة، في كلمة مصورة، لقاء أولمرت مع عباس بأنه "مُخزٍ"، قائلًا: "في اليوم نفسه الذي فشل فيه أبو مازن في محاولته إدانة الولايات المتحدة و(إسرائيل) في مجلس الأمن هنا في الأمم المتحدة، السيد أولمرت يؤيد أبو مازن، إنه يؤيد الإرهاب الدبلوماسي ضد (إسرائيل)، إنه لأمر مُخزٍ"، (في توصيف أقل ما يقال عنه فعلًا رضينا بالبين والبين ما رضي بينا).

وإذا ما عدنا لتاريخ أولمرت فعلينا أن نعرف أن يديه ملطختان بدماء أبناء شعبنا الفلسطيني والعرب في كل مكان منذ أن كان ضابطًا في جيش الاحتلال في السبعينيات، لقد قتل أولمرت النساء والأطفال في بيت حانون عام 2006 في مجزرة راح ضحيتها 46 فلسطينيًّا عندما كان رئيسًا للوزراء، وقاد الحرب على لبنان عام 2006، كذلك شن عدوانًا كبيرًا على قطاع غزة راح ضحيته أكثر من 1300 شهيد عام 2008 وبداية عام 2009 إضافة لتدمير مئات البيوت وتشريد أصحابها وإصابة الآلاف، وقد رسخ الاستيطان في القدس وحرم الفلسطينيين من بناء مساكنهم فيها بل وهدم العشرات منها خلال رئاسته لبلدية القدس.

كما أنه يرفض من حيث المبدأ فكرة الانسحاب من الأراضي المحتلة، وعارض فكرة انسحاب الاحتلال من سيناء ورفض اتفاقية كامب ديفيد، وهو شخص منبوذ من شعبه حيث صدر عليه حكم بالحبس لمدة 6 سنوات بتهمة تلقي الرشوة، وبالخلاصة فإن أولمرت تليق به مزابل التاريخ وأقبية السجون مقابل بطشه وظلمه وعدوانه وليست منصات التفخيم والتبجيل والتكريم، ولا يليق بنا نحن أصحاب الحق أن نبجل قاتلًا محتلًا يرتع في أرضنا السليبة ويتنعم بخيراتها، ثم نصفه بحمامة السلام.

أما نحن أبنا الشعب الفلسطيني فنحتاج في هذه الفترة لقراءة التاريخ بعمق لنستطيع أن نحدد أهدافنا بدقة من أجل الخروج من المأزق الذي نعانيه، كما أننا محتاجون للتوحد خلف عدالة قضيتنا وإنسانيتها، وعلينا في سبيل لذلك أن نتجه لطي صفحة الانقسام وتقبل الرأي والرأي الآخر والتوحد خلف ثوابت قضيتنا المتعارف عليها دون الركون لقادة الاحتلال بمختلف توجهاتهم فهم أحرص على كيانهم مما نتخيل، ولن يقدموا لنا أي تنازل إلا إذا كان مقترنًا بما يخدم أهدافهم الخبيثة.

المصدر / بقلم/ محمود الحشاش