يرافقه منذ أن تطأ قدماه أرض المدرسة؛ فالطفل خالد الكرد المصاب بطيف التوحد كان من أوائل من استفاد من قرار وزارة التربية والتعليم، السماح لهذه الفئة بالدراسة في المدارس الحكومية، بعد أن خصصت مدرسًا لكل حالة.
"معلم الظل" مهمة ليست بالسهلة، فعلى صاحبها أن يمتلك مواصفات تجعل تعليم طفل مصاب بطيف التوحد أمرًا إيجابيًّا ينعكس على الطفل، ويجعله قابلًا للتعايش مع من حوله في البيئة التعليمية من طلبة، وأساتذة، وعمال.
شادي أبو شنب معلم تربية خاصة، قررت وزارة التربية والتعليم تخصيصه لمتابعة حالة الطفل خالد في الصف الثالث الابتدائي، بعد أن أنهى دراسة الصف الأول والثاني بنجاح في إحدى المدارس المشتركة.
مهمة أبو شنب لم تكن بسيطة؛ فالطفل خالد لا يزال يعاني مشاكل في التواصل البصري والسمعي مع المحيطين به، والانتباه إلى المدرس في الحصة المدرسية، إضافة إلى ضعف التفاعل الاجتماعي والسلوكيات النمطية.
يقول المعلم لصحيفة "فلسطين": "دوري معلم ظل جاء للتغلب على هذه المشاكل بتعزيز الانتباه ليشارك خالد في الفصل وينتبه، كما تغلبنا على مشكلة خجله بتعزيز المشاركة في الأنشطة الفصلية وغير الفصلية وتكوين صداقات مع من حوله من الطلبة".
ويوضح أن خالد أصبح قادرًا على القراءة باللغتين العربية والإنجليزية، ولكنه لا يزال يواجه صعوبات خاصة في مادة الرياضيات الصعبة عليه، لذلك يحتاج إلى تبسيطها وتوصيل المعلومة له بسلاسة.
ويشير إلى أن معلم الظل يبقى مع خالد في الحصص المدرسية كافة، وبعدها تعقد له جلسة تعليم فردي لإعادة شرح كل ما درسه بطريقة مبسطة بأساليب محددة تُسهل عليه الاستيعاب والفهم.
وينبه أبو شنب إلى الدور الكبير والمهم الذي لولاه لما وصل خالد إلى هذا المستوى، وهو متابعة والديه حالته والعمل المتواصل والمتوازي مع معلم الظل في كل صغيرة وكبيرة تخص الطفل.
"تشجيع مدرسي"
من جانبه يبين مدير مدرسة دير البلح الأساسية للبنين سعيد أبو مزيد أن من حق أي طالب نيل فرصة للتعليم، سواء أكان طفلًا عاديًا أم كان من ذوي الاحتياجات الخاصة، لافتًا إلى أنهم في المدرسة لديهم رؤية وأفق لاستيعاب الطلبة من ذوي الاحتياجات الخاصة، ورعايتهم من لحظة دخولهم المدرسة حتى الخروج منها.
ويوضح لصحيفة "فلسطين" أن حالة خالد ليست الأولى التي استوعبتها المدرسة، وخلالها يعلّم الطفل ويساعَد ويشرك مع زملائه في الاستراحة المدرسية، وفي حصة النشاط الرياضي يمارس النشاط برفقة معلم الظل بصورة جميلة جدًّا، ويشارك في الإذاعة المدرسية إذ يخصص له يوم في الشهر.
ويشجع أبو مزيد انضمام هذه الحالات للمدارس الحكومية.
برنامج وزاري
في السياق يوضح مشرف التربية الخاصة في مديرية المحافظة الوسطى وليد عطية أن تجربة "معلم الظل" بدأت في عام 2014-2015م، فكان نتاج تجربة مع جمعية الحق في الحياة لدمج الطلاب المصابين بطيف التوحد الذين لديهم القابلية للتعلم في المدارس الحكومية.
ويقول عطية لصحيفة "فلسطين": "شروط انضمام الطالب ألا يؤثر على العملية التعليمية داخل الحجرة الصفية، ويكون كأقرانه من الأشخاص غير ذوي الإعاقة، على أن يرافقه معلم الظل الذي يتابع الطالب من ناحية الدراسة والأنشطة اللاصفية من ساعة دخول المدرسة حتى الانصراف".
ويضيف: "المعلم يكون مرافقًا للطالب في داخل الصف والساحة والأنشطة اللامنهجية"، لافتًا إلى أنه من حق كل طالب نيل حقه في التعلم بغض النظر عن الفروق الفردية والقدرات العقلية، دون أن يؤثر على العملية التعليمية داخل المدرسة.
ويشير إلى أن معلم الظل معلم خريج تربية خاصة يختار بعد اجتيازه الاختبار التحريري من الوزارة والمقابلة الشخصية، ويكون ذلك بعناية، لأنه سيكون مرافقًا للطالب، لذلك يجب عليه أن يكون حسن التعامل ويتمتع بالصبر مع الطالب.
ويتابع عطية: "كما يجب أن يتمتع بالثقافة العلمية الواسعة، ودراية جيدة بالمواد الأساسية، والقراءة والكتابة والعمليات الحسابية، وأن يكون صاحب تجارب سابقة وخبرات في التعامل مع طلبة مصابين بطيف التوحد".
ويؤكد أن التجربة لدى الوزارة ناجحة، مبينًا أن المعلم أبو شنب أثبت نجاح دمج الأطفال المصابين بطيف التوحد في المدارس الحكومية، بعد التحسن الواضح على الطالب بمتابعة الحصص، وما كان عليه سابقًا وما عليه حاليًّا، وهو ما يمهد بالتدريج لدمجه في الفصول العادية.
ويكمل عطية: "إن وجود الطالب خالد زاد من وعي باقي الطلبة أن هناك في المجتمع من هم من ذوي الاحتياجات الخاصة ويجب التعامل معهم بمساواة دون إشعارهم بأي اختلاف، وذلك بتوعيتهم وتعريفهم احتياجات هذه الفئة".