وفق بعض وسائل الإعلام المحلية، وبناء على التصريحات الرسمية، وخطابات القيادة الفلسطينية، فإن الجواب: نعم، لقد ألقى الفلسطينيون بصفقة ترامب إلى مزبلة التاريخ، نعم، لقد تحدت قيادة السلطة الفلسطينية الرئيس الأمريكي ترامب، وأذل رئيس السلطة الفلسطينية نتنياهو، وسحق أطماعه في أرض الضفة الغربية، وتم حشد الدعم العربي والإسلامي والدولي ضد صفقة ترامب المرفوضة فلسطينياً وعربياً ودولياً جملة وتفصيلاً.
فهل هذه هي الحقيقة ؟
كل عاقل محايد سيقول: صفقة ترامب أخذت بما هو قائم على الأرض، وتواصل فرض نفسها ميدانياً من خلال الإجراءات الإسرائيلية، وإليكم إطلالة على الواقع؛
أولاً: رقبة الأرض في الضفة الغربية، وهي عنوان الصفقة، وتقع بمعظمها 61% تحت سيطرة المستوطنين اليهود منذ التوقيع على اتفاقية أوسلو 1993، ومن يمتلك رقبة الأرض، يمتلك حق التصرف الفعلي بها.
ثانياً: الأمن: إسرائيل هي المالك الحصري للأمن في الضفة الغربية، وهي من يتصرف في الشوارع والحارات والطرقات وقمم الجبال والمنعطفات، وتقيم أكثر من 600 حاجز على طرقات الضفة الغربية، وهذا ما جاء في الصفقة.
ثالثا: الحدود، لقد اعترفت اتفاقية أوسلو بمنطقة الأغوار منطقة فاصلة بين الضفة الغربية وشرق الأردن، وسلمت بالسيادة الإسرائيلية الكاملة على الأغوار، وهذا ما جاء في صفقة القرن.
رابعاً: القدس، قد وافق السيد عباس في مفاوضاته مع أولمرت بأن أبو أديس هي عاصمة الدولة الفلسطينية، وقد تم تجهيز أحد المباني كمقر للمجلس التشريعي في أبو ديس قبل عشرين عاما، وهذا ما تقوله صفقة القرن.
خامساً: اللاجئون، لقد اعترف السيد عباس أمام وسائل الإعلام بأنه لن يغرق إسرائيل بملايين اللاجئين الفلسطينيين. وحل قضيتهم بالتوطين حيث هم يتواجدون، وعلى ذلك نصت الصفقة.
سادساً: سلاح المقاومة: وقد طالبت السلطة الفلسطينية بنزع سلاح المقاومة قبل أن تطالب به صفقة ترامب، وقد كان شرط السلطة الأساسي للعودة إلى غزة التمكين فوق الأرض وتحت الأرض.
سابعاً: الأسرى: لم تكتف السلطة بقطع رواتب الأسرى والمحررين كما تطالب صفقة القرن، بعد ما حاولت قمع الاعتصام الذي قام به الأسرى المحررون وسط رام الله احتجاجا ًعلى قطع رواتبهم، والأهم من ذلك هو: كيف حال الأسرى الفلسطينيين خلف الأسوار؟ من يتذكرهم؟ أي مسؤول سعى لإطلاق سراحهم؟ من يفعل شيئاً من أجل حريتهم لا من أجل صرف بعض المال لأهلهم.
فهل تم إلقاء صفقة القرن إلى مزبلة التاريخ كما يتبجح البعض؟ أم تم إلقاء مشروع المفاوضات في مزبلة ترامب نتانياهو؟ وهل يكفي أن نقول بحسرة وتذلل: نحن تحت الاحتلال؟ ونرفض الاحتلال، ونرفض كل ما يقوم به الاحتلال من اغتصاب وعدوان وفجور، هل يكفي البكاء والنواح والخطابات لاسترداد الوطن؟
يجب الاعتراف بالفشل، كي نصحح المسار، يجب الاعتراف بالهزيمة بعد 28 عاماً من النضال العبثي في خنادق المفاوضات ، ودون ذلك، فإن المأساة التي حطت على رأس الشعب الفلسطيني من سياسة قيادته ستكبر، وستهرب الأرض من بين يديه، وتتهود مقدساته، وتذوب سنوات عمره خلف الأسوار، وهو يهتف خلف القيادة: ومن نصر إلى نصر، وإنها لثورة حتى النصر!
مقومات النصر هي التغيير الجذري لهذه القيادة التي عشقت الانتصارات الزائفة منذ سنة 1965 وحتى يومنا هذا!