في كل مرة تصدر فيها سلطات الاحتلال الإسرائيلي، قرار إبعاد لفلسطينيٍّ عن المسجد الأقصى، أو البلدة القديمة في مدينة القدس المحتلة؛ تقدم دليلاً إضافيًّا على اختراق قواعد القانون الدولي، وسياسة التمييز العنصري التي تنتهجها، في الأراضي الفلسطينية المحتلة.
ومقابل التسهيلات الكبيرة التي تقدمها سلطات الاحتلال للمستوطنين وعموم الإسرائيليين، لاقتحام المسجد الأقصى وساحاته، تفرض قيودًا على وصول المصلين المسلمين، ولا تكتف بذلك؛ بل لا تتوقف عن إصدار قرارات الإبعاد عن المسجد بحق الدعاة والنشطاء في مجال الدفاع عن ثالث أقدس مسجد للمسلمين في العالم.
استقراء، المعطيات الإحصائية لقرارات الإبعاد الإسرائيلية، في الأشهر الماضية، يظهر بوضوح زيادة أعداد المبعدين؛ ما يدلل أننا أمام سياسة إسرائيلية ممنهجة؛ يشجع عليها بلا شك؛ غياب المواقف المؤثرة، سواء أكان فلسطينيًّا أم عربيًّا وإسلاميًّا، فضلاً عن الصمت الأوروبي والغطاء الأمريكي.
ففي حين يشير توثيق مركز معلومات وادي حلوة في القدس، إلى إصدار سلطات الاحتلال الإسرائيلي 355 قرار إبعاد عن المسجد الأقصى، و44 قرار إبعاد عن البلدة القديمة، و10 قرارات إبعاد عن مدينة القدس، في عام 2019، لمدد تتراوح بين 3 أيام – 6 أشهر؛ فإن الشهر الأول من عام2020 ، شهد إصدار 104 قرارات، وشهد الأسبوع الأول من شهر فبراير الحالي 35 قرارًا.
الارتفاع في أعداد المبعدين، يبدو مخيفًا، وهو جزء من انفلات السياسة الإسرائيلية في عموم الأراضي الفلسطينية المحتلة، والقدس خصوصًا؛ منذ إعلان الإدارة الأمريكية الاعتراف بالقدس عاصمة لـ(إسرائيل)، في 6 ديسمبر 2017، وهو التاريخ الذي دشن مرحلة خطيرة في سياسة الأمر الواقع لتهويد القدس.
ويمثل الإبعاد، أحد مرتكزات السياسة الإسرائيلية، في تعاملها مع الفلسطينيين، منذ احتلالها القسري للأراضي الفلسطينية، فسياستها بالأساس تقوم على التهجير والاستيطان، فهي من جهة تقتلع الفلسطينيين وتطردهم، وتستجلب اليهود مكانهم، في واحدة من أبشع صور نظام الأبارتهايد في العصر الحديث.
ومارست (إسرائيل)، هذه السياسة ضد الفلسطينيين فرديًّا وجماعيًّا، وضمن الأرض الفلسطينية المحتلة، وخارجها، وفي مراحل ومحطات تاريخية متعددة.
ورغم أن هذه السياسة فشلت في تحقيق أهدافها، بقيت تمارس إسرائيليًّا؛ مع ضعف مواقف الإدانة الدولية، وغياب إجراءات المحاسبة، ومناخ الحصانة الذي يوفره الدعم الأمريكي والدولي، رغم أن الحديث يدور عن انتهاك صارخ لمواثيق حقوق الإنسان، وعموم قواعد القانون الدولي.
الإبعاد عن المسجد الأقصى، وهو جوهر هذه المقالة، برز مع الإبعاد الجماعي للنساء الناشطات في الدفاع عن المسجد، أو من يعرفن بالمرابطات خلال عامي 2013 و2014، حيث بدأت تظهر ما تعرف بالقائمة الذهبية، التي تضم أسماء عشرات النساء الممنوعات قسرًا بأمر الاحتلال من الوصول للمسجد الأقصى.
ويبدو أن غياب المواقف المؤثرة، شجع (إسرائيل) على التوسع في هذه السياسة، وباتت قرارات الإبعاد لا تقتصر على فئة محددة، فهناك علماء بارزون وخطباء للمسجد الأقصى وموظفون في الأوقاف الإسلامية أبعدوا، أمثال الشيخ عكرمة صبري، والشيخ ناجح بكيرات، وأبعدت شخصيات فلسطينية من أراضي 48، وأخرى مقدسية، بما في ذلك من النساء، واتسعت مدة الإبعاد، من أيام لعدة أشهر.
ما يجمع بين هذه الشخصيات المبعدة، دورها الكبير في توعية الرأي العام بواقع المسجد الأقصى وما يتعرض له من انتهاكات إسرائيلية؛ وكذلك لدورها في التصدي للسياسات الإسرائيلية، واعتداءات المستوطنين.
ويدلل ذلك أن الاحتلال يحاول أن يخفي حقيقة ما يقترفه من انتهاكات في المسجد، ويسعى لإزالة أي عقبات أمام مستوطنيه الذين زادت أعداد المقتحمين منهم للأقصى، حتى بلغ عددهم خلال 2019 نحو 30 ألف مستوطن.
وتمثل سياسة جيش الاحتلال الإسرائيلي، في الإبعاد عن المسجد الأقصى، انتهاكا للحق في العبادة الذي أكدت عليه المواثيق الدولية، فضلا عن كونه محاولة لتغييب القيادات والشخصيات الفلسطينية والإسلامية المؤثرة التي تتصدى لسياسة فرض الأمر الواقع الإسرائيلية، بما يسهل على الجيش تنفيذ اقتحاماته واعتداءاته المتكررة.
وتشكل جريمة "الإبعاد القسري" سواء عن المسجد الأقصى أو البلدة القديمة في القدس؛ مخالفة صريحة لاتفاقية جنيف الرابعة التي تحظر النقل والإبعاد القسري للأشخاص المحميين من الأراضي المحتلة إلى أراضي أي بلد آخر، وتعد النقل القسري انتهاكًا خطيرا للاتفاقية، ويُعرف بأنه جريمة حرب وجريمة ضد الإنسانية بموجب نظام روما الأساسي.
إفشال هذه السياسة، يتطلب تحركًا فلسطينيًّا متعدد الأوجه، يبدأ من التحدي الفردي، كما فعل الشيخ عكرمة صبري مؤخرًا، إلى التحرك الشعبي المؤازر، إلى الفعل الرسمي الفلسطيني، وكذلك ممن يحمل الوصاية على المسجد؛ للبدء بتحرك قانوني على الصعيد الدولي يوقف هذا الانتهاك الإسرائيلي.
موقع "هيوميديا"