فلسطين أون لاين

"اتصال" و"صداقة فيسبوك" يحوّلان "د" و"ز" لمتخابرين

...
غزة/ يحيى اليعقوبي:

كانت بداية نكسته حينما سلك طريق التدخين، وتعود الهروب من المدرسة، أمور يظنها البعض أخطاء عادية لكنها كانت تهيئة لضياع أكبر لدى الشاب "د".

في لحظة قد يتغير كل شيء، وتكون أمام مرحلة تواجه فيها تحديا صعبا، توقع نفسك فيه دون شعور أو تردد، تنساق وراء رغباتك، حتى تجد نفسك في مستنقع الابتزاز وتتغير حياتك التي بنيتها طيلة عمرك في رحاب أطفالك وعائلتك، وهذا ما حدث مع "د" حينما جاءه  طلب صداقة من فتاة على صفحة على موقع "فيسبوك"، أبدت اهتمامها بصداقته، ومع مرور الأيام كانت هذه العلاقة تأخذ أشكالا متعددة وتكسر حاجز المحرمات الاجتماعية، أو حدود العلاقات الشخصية.

بلا أي تفكير بتبعات ذلك، والتكلفة التي يمكن أن يدفعها "د" ظل غارقا في هذه العلاقة، معتقدا أنها ستساعده، بعد أن أرسلت له مساعدة  مالية فذهب لاستلامها من نقطة حددتها، وفعل ما طلبت،  حتى ذلك اليوم حينما حدثه ضابط من مخابرات الاحتلال وهدده بنشر تفاصيل مكالماته مع الفتاة إذا لم يرتبط معه.

امتزج صوته بذلك اليوم المحمل بالندم: "قال لي الضابط بأنهم التقطوا صورا لي لحظة استلام الأموال، وبدأت العمل معهم، في البداية طلب تحديد طبيعة عمل عدة أسماء بمنطقتي وأرقام هواتفهم ومكان صلاتهم (..) كنت مغيبا في تلك الفترة عن الدنيا أبقى مستيقظا على موقع فيس بوك لإجراء محادثات مع فتيات وأستيقظ عصرا".

بقي "د" مرتبطا مع الاحتلال إلى أن ألقى جهاز "الأمن الداخلي" القبض عليه؛ يقول عن فرص التوبة لكن هذه المرة بعد فوات الأوان: "رأيت إعلانات عن فتح باب التوبة للمتخابرين؛ لقد زرعت مخابرات الاحتلال في أنفسنا مزاعم عن جهاز الأمن الداخلي أنه يعذبنا، وهذا ما جعلني أتردد في تسليم نفسي، لكن حينما اعتقلت هنا تغيرت نظرتي ولم يتم ضربي وكانت أسئلته عادية، ولو كنت  أعلم أن المعاملة هنا جيدة لسلمت نفسي منذ البداية".

"اتصال بالخطأ"

هاتف "ز" يرن .. رد على المكالمة ، المتصل فتاة: "معلش الاتصال بالخطأ" وأغلقت الهاتف وانقطع الاتصال، مر الأمر دون أي يحدث شيء يثير الشك، بعد برهة من الوقت عاودت الاتصال بـ "ز" وأفصحت عن رغبتها: "حابة أتعرف عليك" وعرفت عن نفسها بأنها تعمل بمؤسسة دولية.

استمرت هذه العلاقة لشهرين تتصل الفتاة أحيانا في كل يوم، وهكذا وطدت علاقتها مع "ز"، وكانت غالبية المكالمات غير أخلاقية، ومن ثم بدأت تسأله عن حياته وأوضاعه المعيشية، يقول: "طلبت مني شراء شريحة أورانج باعتبار أنها ذات تكلفة أقل فقمت بذلك".

ذات يوم، جاء "ز" ما لم يكن يتوقعه أو يحسب له حسابا، حينما رن هاتفه مرة أخرى  باتصال من نفس الفتاة، لكن الذي رد عليه شخص آخر أخبره في الحقيقة الصادمة ، وقال له: "أنا مسؤول عن البنت اللي كنت تتصل فيها وهي بتشتغل مع المخابرات" وهدده بعرض المكالمات المسجلة إذا لم يعمل معهم.

هو في الحقيقة لم يغرق عند هذا الحد، كان قريبا من نقطة العودة وتدارك الأمر، وقطع الاتصال مباشرة، لكن خوفه من تنفيذ التهديد جعله يغرق بوحل "التخابر" هذا الوحل الذي أغرق كذلك غيره.

في البداية بدأ ضابط الاحتلال بطلب معلومات عن جيرانه ومعلومات عن أشخاص وأرقام  لوحات سيارات، وتحديد كل البيوت بمربعه السكني وتقديم معلومات مفصلة عنها، ومراقبة شخصيات مهمة، ومواقع مقاومة وأماكن التدريب وماذا يحدث فيها.

بحجة أنه مريض كان "ز" يغادر إلى (تل أبيب) لمقابلة ضباط الاحتلال الذين كانوا يصدرون له تصاريح  مغادرة، وهناك يسألونه عن الوضع الأمني في غزة، يستذكر موقفا حدث معه لكن هذه المرة من على كرسي الندم: "في إحدى المرات أدخلوني غرفة فيها ماكنة وقالوا لي: هذه ماكنة لفحص الكذب" فكانوا لا يثقون بما أقدمه من معلومات،  وعرضوا  صورا لأشخاص تعرفت على بعضها دون الأخرى، وعدت لغزة".

هل فكرت بتسليم نفسك؟ .. سؤال من الطبيعي طرحه على أي متخابر، وقد تكون الردود شبه متشابهة ربما للخوف ذاته الذي يشعر به لحجم ما ارتكبه من ذنب ولا يعلم أن هناك من يمكن أن يصفح عنه، معترفا: "أتدري؛ كنت خائفا في البداية أن أفصح لأي شخص خوفا من الفضيحة, اعتقدت أنني لن أكشف في يوم من الأيام، وكان كلام ضباط مخابرات الاحتلال يجعلني أعيش الوهم بأنني لن أكشف".

يقولون إن خسارة السمعة، أعظم خسارة يمكن أن يتعرض لها الإنسان، وحينما تخون وطنك فإنك  لن تجد حتى ترابا يحن عليك، سيصبح لا معنى لوجودك، ولا قيمة لعيشك وحياتك، وأول من يتخلى عنك هم أولئك الذين أسقطوك في العمالة، بل إنهم من يرموك حينما تنتهي جميع أدوارك، فكيف إن اجتمعت الخسارتان: السمعة والوطن؟ فماذا بقي لك لتعيش من أجله؟ وقد تركك القريب والبعيد؛ هذا لسان حال من اكتشفوا أن الاحتلال أوقعهم في جحيم.