عكرمة صبري إمام وخطيب في المسجد الأقصى المبارك، وهو من سكان القدس. ورائد صلاح من أم الفحم، متدين نذر نفسه للدفاع عن حرمة المسجد الأقصى ضد انتهاكات سلطة الاحتلال والمستوطنين، وآلية عمله في الدفاع هي الكلمة، والتظاهرة، وتذكير المسلمين بمكانة المسجد ومنزلته. وإذا ذهبنا إلى شيخ الأقصى عكرمة صبري وجدناه يزيد على رائد في عمله أنه موظف في المسجد إماما وخطيبا، وأن وظيفته الوقفية توجب عليه القيام بما يقوم به الشيخ رائد صلاح وزيادة، لأنه مكلف من جهتين: تكليف وظيفة، وتكليف شريعة. وليس غريبا على اللغة أن يجتمع معنيا (الصبر والصلاح)، في رائد صلاح، وعكرمة صبري.
دولة الاحتلال التي ضمت القدس، وتتحكم بالمسجد الأقصى، فتدخل إليه من تشاء، وتمنع من دخوله من تشاء، وتربط الدخول إليه بالسنين، فتجعله لكبار السن، وليس في إسلامنا وشريعتنا هذا التمييز العمُري البتة، وتزعم أنها أمينة على المسجد والمقدسات، تتخذ إجراءات منع ضد الشيخ عكرمة، وتمنعه من أداء واجبه الوظيفي والشرعي، وتزعم أنه يحرض على الدولة؟! وهل في عمله هذا مخالفة، وشريعتنا تأمرنا برفض الاحتلال وفضحه ؟!
إن منع الشيخ عكرمة، والحكم على رائد صلاح بالسجن، تعدٍّ فاضح لدولة الاحتلال على حقوق المسلمين عامة، وعلى الحقوق الشرعية والوظيفية لهذين الشيخين الكريمين خاصة، وهذا فيه دلالة واضحة على أن اليهود ليسوا أمناء على الإسلام ومساجد المسلمين، وأن نصارى الفتح الإسلامي كانوا على حق حين اشترطوا على عمر بن الخطاب رضي الله عنه عدم مساكنة اليهود في القدس، وكان هو على حق عندما أجاب طلبهم.
رائد، وعكرمة، ليسا رجلين وحسب، وليسا عاملين وحسب، وليسا فلسطينيين وحسب، بل هما فوق هذا رمزان يمثلان المسلمين في كل مكان، وإن اعتقالهما هو اعتقال للمسلمين، ومضايقتهما هي مضايقة للمسلمين، ومنعهما من أداء واجبهما الشرعي هو منع لأداء المسلمين عامة، ولو أنصف قادة المسلمين أنفسهم وأقصاهم لعقدوا مؤتمرا لهذا الخطب، ولو أنصفت السلطة الأقصى لقدمت شكوى لمجلس الأمن والجمعية العامة. ولو أنصفت الرعاية العربية للأماكن المقدسة في القدس نفسها، وقامت بواجبها لوجدت آلية محترمة لمواجهة تغول دولة الاحتلال. ولكن جميع من ذكرت في غفلة متعمدة عما ألزموا به أنفسهم نحو الأقصى.
الاعتقال سينتهي زمنه، وسيعود رائد لدوره في خدمة الأقصى، والمنع والإبعاد لعكرمة سينتهي زمنه، وسيعود عكرمة لممارسة عمله، ولن يجامل أحد منهم الاحتلال، وسيتجرع الحسرة والخسارة كل مسؤول ممن ذكرناهم آنفا، ولم يقوموا بواجبهم الوطني والشرعي. يهود ليسوا أمناء على مقدسات المسلمين!