قد تكون غزة مقصلة نتنياهو السياسية، فحتى اللحظة لم يحرز زعيم حزب الليكود أي اختراق أو إنجاز يتفاخر فيه أمام الإسرائيليين على جبهة غزة، بل شكلت غزة السكين الذي تطعن فيه الأحزاب الإسرائيلية ظهر نتنياهو، وشكلت غزة بمقاومتها وبالوناتها الحارقة الصخرة التي تكسرت عليها قرون حزب الليكود وأطماعه الأيديولوجية، لذلك فمن المؤكد أن الرجل الشرير يضمر لغزة الكراهية، ويخبئ لأهلها الموت والدمار كما عبر عن ذلك في تصريحاته الأخيرة.
وبين تصريحات نتانياهو المتشددة ضد غزة واستطلاعات الرأي عن نتائج الانتخابات الإسرائيلية علاقة وثيقة، فتوازن القوى داخل المجتمع الإسرائيلي لا يخدم نتانياهو، وسيكون نتانياهو خاسراً إذا توجه الإسرائيليون إلى انتخابات رابعة للكنيست، لذلك قد يظن البعض أن إحداث متغيرات استراتيجية في المنطقة تحرف مزاج الشارع، أو تؤجل موعد الانتخابات لمصلحة نتانياهو الشخصية والحزبية، وهذا ما يجعل فكرة المغامرة العسكرية ضد غزة واردة، مع العلم أن نتانياهو قد فشل سابقاً في حشد موافقة الأجهزة الأمنية على مغامرة مماثلة قبل موعد الانتخابات البرلمانية الثانية، حين اعترض مستشار الحكومة وقادة الموساد والشباك والأمن القومي ورئيس الأركان على فكرة تصعيد العدوان على غزة قبل الانتخابات الثانية.
الوضع على حدود غزة يزداد توتراً مع اقتراب موعد الانتخابات، وأزعم أن المقاومة الفلسطينية غير راضية ببقاء الحال على ما هو عليه، ويزعجها تهرب إسرائيل من الالتزام بشروط التهدئة، وأهل غزة يؤثرون المواجهة على الجمود الراهن، وحراك الوسيط المصري على ما يبدو لم يقدم ما يقنع المقاومة بمواصلة التهدئة، وزيارة المبعوث الدولي للسلام لم تؤت بثمار تحض على استمرار التهدئة، ولم يبق ما يحفز على التهدئة إلا زيارة العمادي إلى غزة، وما تحمله من إغراءات، أو وعود تحث على مواصلة التهدئة حتى نهاية الانتخابات الإسرائيلية على أضعف تقدير.
أسبوعان حتى موعد الانتخابات الإسرائيلية يخبئان الكثير من المفاجآت، فنتانياهو حريص في هذه الفترة على عدم تقديم أي تسهيلات لأهل غزة، قد تفسر على أنها تنازلات، سيوظفها خصومه السياسيون ضده، والمقاومة في غزة تضغط على نتانياهو لتحقيق المزيد من الإنجازات مقابل الهدوء، هذه الحالة الشائكة أطلقت لسان نتانياهو للتهديد بهدف تمرير فترة أسبوعين بهدوء، أسبوعان من الهدوء تحت غطاء التهديد، والمزيد من التهديد، والحقيقة أن نتانياهو ووزير حربه، ورئيس أركانه يدركون جيداً أن التصعيد ضد غزة قد يجر إلى مواجهة شاملة غير مضمونة النتائج، وقد ترتد كارثة عسكرية على نتانياهو شخصياً، وعلى مستقبل الدولة التي يشكل فيها الجيش العمود الفقري للبقاء على قيد الحياة.
غزة التي تعودت الوضوء بأزيز الرصاص، واعتادت صلاة الفجر على دوي العبوات الناسفة، غزة تمشي على حافة الهاوية بلا قلق، فهي لا تخشى المواجهة، ولا ترتعد من الغارات، وهي على أهبة الاستعداد لأن تموت واقفة لا أن تداس زاحفة، وهي قادرة على التصدي لأي مغامرة يقدم عليها نتانياهو، ومن جرّب لقاء الأعداء مرة، يسهل عليه لقاؤهم ألف مرة.