قد يبدو غريبًا أن تقدم نصيحة لشاب في مقتبل عمره، بألا يبحث عن وظيفة، وإن كانت هناك مسوغات مرتبطة بتكدس سوق العمل، وحالة البطالة التي تواجهه.
الحقيقة أننا لا نريد بهذه النصيحة أن نحبط الشباب ونثبط من عزائمهم، بل نريد أن نوسع مداركهم ونفتح عقولهم نحو ما هو أرحب مجالًا من الوظيفة التقليدية.
أولًا دعونا نؤكد قاعدة العصر المهمة في عالم الأعمال، أن الوظيفة الكلاسيكية التقليدية بدأ يتقلص دورها شيئًا فشيئًا، نظرًا للتطور التقني الهائل، وهناك وظائف تقليدية اختفت وأصبحت من الذكرى، وذلك إما لأن الآلة حلت محل الإنسان فيها، أو لأن أرباب العمل أصبحوا يميلون للتعاقد مع من يعملون عن بعد، أو بالقطعة ضمن إطار العمل الحر.
وفي ذلك يتنبأ الملياردير رجل الأعمال البريطاني الشهير "ريتشارد برانسون" بقرب زوال الوظائف المكتبية التقليدية، أو وظائف «من 9 صباحًا إلى 5 مساءً»، على حد تعبيره، ويناشد برانسون الشباب الذين لا يزالون يحلمون بهذه الوظائف التقليدية، البحث من الآن عن بدائل.
وفي مجتمعنا الفلسطيني نعرف أن غالبية الشباب والفتيات يطرقون بعد التخرج أبواب المؤسسات الحكومية والخاصة، لينالوا عقدًا لشهور براتب متواضع، وقلة قليلة منهم من يجد طريقًا إلى الوظيفة، لا شك لأن سوق العمل طافح عن آخره.
لكنني أعرف آخرين -وهم ليسوا قلة بالمناسبة- قرروا ألا يبحثوا عن الوظيفة التقليدية، لأنهم وجدوها عائقًا لا حُلمًا، وطرقوا أبواب الأفكار الجديدة في عالم الأعمال، كالعمل عن بعدٍ، والعمل الحر، ونجحوا أيما نجاح في هذه التجارب، بل إن بعضهم توسعت أعماله وافتتح مؤسسته الخاصة، وخلق فرص عملٍ لشباب آخرين.
واللافت في سوق العمل الحر أو عن بعدٍ أنه يشمل كل التخصصات والخبرات، فإن كنت مدرسًا لأي مادةً، وإن كنتِ ماهرة في الطباعة، وإن ... وإن ... إلخ، فإن هذا السوق يوفر لكم فرص عمل تمنحكم تحقيق ذاتكم واستثمار وقتكم، وربما في بعض الأحيان الاستغناء عن البحث نهائيًّا عن الوظيفة التقليدية، التي قد تقتل الوقت، إن كان العمل فيها بيروقراطيًّا مملًا.
نقطة أخيرة استدراكية: لا شك أن وظيفة رسمية تؤمن الحاضر والمستقبل أكثر من غيرها حتى وقتنا الحاضر، ذلك أن الشخص يتلقى راتبه كل شهر وفق نظام البلد، كما أن له مكافأة نهاية الخدمة ومعاشًا تقاعديًّا، لكن على الشاب أن يخوض أشكال العمل الجديدة، لا يتوقف جامدًا حتى يحن عليه الزمن بوظيفة تقليدية، حتى إن أتت، فليسعَ أن يكون العملان متوازيين، وألا يؤثر أحدهما على الآخر، وذلك أضمن لمستقبله.