صعّد رئيس وزراء الاحتلال، بنيامين نتنياهو، أخيرا، من لهجته وحدّة تهديداته بشن عملية عسكرية واسعة ضد قطاع غزة، كذلك التصعيد الكلامي الصادر أيضا عن عدد من وزراء حكومته، يأتي ذلك قبل أسابيع قليلة من إجراء انتخابات (الكنيست) الشهر القادم، ما يطرح تساؤلات حول مدى جدية هذه التهديدات، وإن كان الهدف منها الدعاية الانتخابية فقط دون نية حقيقية لتفعيلها.
نتنياهو يدرك أن ضربات المقاومة التي أفشلت أهدافه ومخططاته على مدى رئاسته الطويلة للحكومة، وجعلت من جيشه أسيراً وقتيلاً وجريحاً، هي اليوم أقوى من ذي قبل، وقادرة على إفشال أهدافه من جديد، وأن حدة التوتر بين غزة والاحتلال سترتفع كلما اقترب موعد الانتخابات الإسرائيلية، وهذا واضح في مواصلة الفصائل الفلسطينية ضغوطها على نتنياهو لإجباره على تنفيذ تفاهمات التهدئة، والأخير سيواصل تهديداته وربما الهجمات والغارات المحدودة لتعزيز قوته الانتخابية، لذا هو يتعامل بحذر مع ملف غزة، فهو لا يريد شن عدوان جديد حاليا لا يعرف أين سيقوده في ظل تطور قدرات المقاومة بالقطاع، ويستبدل هذا العدوان بسياسة الحصار والتجويع التي لا تقل قسوة عن الحرب في هذه المرحلة الحرجة بالنسبة له.
وحول فشل نتنياهو في هزيمة حماس في غزة، قالت تسيبي ليفنى في لقاء مع "واللا" العبري: "عندما كان رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو في مقاعد المعارضة، كان يقف أمامي عندما كنت وزيرة للخارجية وشريكة في عملية الرصاص المصبوب (العدوان على غزة 2009-2008)، حيث استخدمها في الانتخابات، وقال: دعوني أهزم حماس، فعل الشيء نفسه في عملية الجرف الصامد (عدوان 2014). وزير آخر في مجلس الوزراء، أفيغدور ليبرمان، قال: "دعوني أستخدم قوة مفرطة"، هو أيضا جاء إلى مكتب وزير الجيش، وأيضا فشل، في إشارة إلى فشل جميع قادة الاحتلال في القضاء على غزة وحركة حماس.
ووفقا لتقرير نشره المحلل العسكري في موقع "يديعوت أحرونوت"، رون بن يشاي أن لا مصلحة للاحتلال بشن حرب جديدة ضد قطاع غزة في الوقت الحالي، لكنه حذر، في تقريره، من أن الخطاب المتحمس للحرب، في فترة ما قبل الانتخابات السائدة في الحلبة السياسية الإسرائيلية اليوم، يوجِد حراكا قد يقود إلى تصعيد لا حاجة له وسيكلفنا ثمنا دمويا باهظا أكثر بكثير من الثمن الذي ندفعه الآن مقابل المواجهات عند السياج، وهذا أفضل من وضع يسقط فيه جراء اجتياح عسكري بري للقطاع عشرات المصابين من جانبنا ويجري فيه (سكان) جنوب ووسط (إسرائيل) إلى الملاجئ كل بضع ساعات وطوال أسابيع. إضافة إلى ذلك، ينشر الجيش الإسرائيلي عند السياج فرق قناصة صغيرة وعددا من الكتائب وعددا قليلا من الدبابات والطائرات المسيرة، "بتكلفة مالية عادية". وفي المقابل، فإنه في أي خطوة عسكرية "سيضطر الجيش الإسرائيلي إلى تجنيد قوات احتياط، وفتح مخازن الطوارئ، واستغلال كبير لمخزون الذخيرة، وقطع الغيار وما إلى ذلك. وكل هذا من شأنه أن يكلف مليارات الشواقل".
ولفت بن يشاي إلى أن عملية عسكرية واسعة ضد القطاع يمكن أن تثير حالة غليان، تصحبها موجة عنف في الضفة الغربية.
وبالإضافة لعدم جدوى لشن حرب على غزة، حذر بن يشاي من أن (إسرائيل) ستواجه معارك قضائية وإعلامية ودبلوماسية "غير سهلة إذا شنت عملية عسكرية واسعة في غزة"، وذلك من دون تحقيق أي هدف، على غرار الحروب السابقة التي شنها جيش الاحتلال على غزة، حيث شن الاحتلال ثلاث حروب متتالية على قطاع غزة (2008-2009، 2012، 2014) أدت إلى استشهاد قرابة 4500 فلسطيني وإصابة عشرات الآلاف، في حين دمر خلالها قرابة 150 ألف وحدة سكنية كليا أو جزئيا، إضافة للتدمير الواسع في المنشآت والبنى التحتية، وفشلت جميعها في تحقيق أهدافها في القضاء على حركة حماس وإنهاء المقاومة في غزة.
وبعيدا عن الحسابات العسكرية أعتقد أن نتنياهو يخشى في هذا الوقت شن أي عدوان جديد على غزة قد يؤثر سلبا في تنفيذ صفقة القرن، كما يؤثر على مساعيه الرامية للتطبيع مع العرب، وكل هذا يخدمه في الدعاية الانتخابية، فالاحتلال لا عهد له ولا أمان، والغدر طبيعته وسمة من سماته، وبالتالي شن عدوان جديد على غزة خلال الفترة المقبلة وارد، وإنما هي مسألة وقت، فقد يؤجل العدوان لكنه لا يلغيه.
--