فلسطين أون لاين

​"عميرة".. مصور يطمح لكتابة تاريخ "فلسطين" في صورة

...
كنيسة مريم المجدلية في جبل الطور القدس الشريف
القدس المحتلة / غزة - مريم الشوبكي

فلسفته في التصوير "الآلية" قبل "الآلة"، فـ"الآلة" تساوي مصورًا، أما "الآلية" تساوي فنانًا، التصوير بالنسبة له ليس كاميرا وعدسة وإنما تعلم مستمر، ليرى الفنان الصورة بعينٍ مختلفة عن أي مصور عادي، مختلفة بزواياها وتفاصيلها، طامحًا إلى كتابة التاريخ في صورة.

المصور المقدسي "فادي عميرة" يتعامل مع الصورة الفوتوغرافية كلوحةٍ فنية تتطلب إحساسًا عاليًا حتى تصل إلى قلب المُتلقّي، حيث شق طريقًا متميزًا لنفسه واختصّ في تصوير المناطق الأثرية، والقرى الفلسطينية المهجرة، والتقاط صور غير تقليدية للمسجد الأقصى.

آثار وتشكيلي

"فادي عميرة" ابن الأربعين؛ مصور نشأ في مدينة القدس، حاصل على بكالوريوس مساحة ورسم آثار، وخريج كلية فنون مرئية، إضافة إلى دراسته لإدارة الأعمال، حيث يشغل منصبَ إداري في "التأمين الصحي الإلزامي" يدرب الطواقم فيه على برامج الحاسوب.

من دراسة الآثار إلى احتراف التصوير، كيف برع "عميرة" في صنع هذه "الخلطة"؟ تحدث لـ"فلسطين": "تخصصي في دراسة الآثار كان يتطلب تصوير الموقع الأثري لحظة توثيقه, من هنا بدأت أتعلم أساسات التصوير خاصةً تصوير المواقع الأثرية، على صعيد كيف أتعامل مع الإضاءة وبأي زاويةٍ أصور المباني".

وأضاف: "بعد توثيق المواقع الأثرية، بدأتُ بتوثيق القرى المُهجَّرة كأرشيفٍ أحتفظ به لي شخصيا".

"فادي" ليس مصورًا فقط، بل فنانًا تشكيليًا أيضًا، حيث نمَّى موهبته بالحضور إلى دوراتٍ في الفن التشكيلي ومزجه بالتصوير، حيث إن الفن التشكيلي يتطلب عادة تصوير مراحل العمل، إذ يتم الدمج بين الصورة والرسم (من الفنون المرئية والتشكيلية).

يقول عميرة: "منذ 18 عامًا مارسَ "فادي" التصوير حتى احترفه وكوَّن أرشيفه الخاص، ومنذ ثماني سنوات بعد انتشار مواقع التواصل الاجتماعي والتطور في آلات التصوير، قرر نشر ما يُصوره، بهدف تذكير الفلسطينيين بالقرى المهجرة".

واستدرك قائلًا: "حينها شعرت أن هناك شيئًا ما ينقصني، توجهت للالتحاق بكلية الفنون المرئية في غربي القدس والتي تختص بالتصوير الفوتوغرافي والفيديو، أثناء الدراسة استمررت بجولاتي في تصوير القرى المهجرة وغير المهجرة، وجُبت شمال فلسطين حتى جنوبها، عدا غزة التي أتمنى التصوير فيها يوما".

رسائل

وعن الرسائل التي يريد "عميرة" توصيلها من خلال صوره، أجاب: "في البداية هدفت إلى زيارة القرى الفلسطينية لكي أذكر الناس بوجودها، حتى أربطهم بماضيهم عن طريق الصورة الجميلة، حتى أصبحت الجولات أسلوب حياة بالنسبة، حيث إنني أمشي حوالي 15 كيلو أو ما يزيد".

وتابع: "عملي مرهق من الناحية المالية وبذل الجهد والوقت أيضًا، كل إنسان رُزق بشيءٍ ما يتميز به، وحَباني الله بفن التصوير؛ لذا اعتبر ما انجزه هو واجب وطني، وأريد توصيل رسالة للمغتربين بأن الوطن ليس مكانًا للحرب وليس صعبًا للعيش، أهدفُ إلى تقوية علاقتهم به؛ إنه الجمال بحد ذاته؛ وليس مجرد أرضٍ مهجورة".

"كل نجاح له أعداء، فهناك ردود أفعال سلبية من أشخاص لا ينتقدون نقدا بنّاء بل هداما، وهناك من يشجع ويطلب المزيد من صور القرى التي تم تهجيرهم منها، كما تُوجه لي دعوات من الجاليات في الخارج للمشاركة في المعارض التي تقام هناك بهدف ربط الناس بفلسطين"-حسب قول عميرة-.

المألوف لا يألفه المصور عميرة، لذا كانت له رؤية غير تقليدية في التقاط صور للمسجد الأقصى، تحدث عن ذلك بقوله: "الأقصى مثل أي مكان تاريخي إسلامي التقطت له بلايين الصور، الكل ينظر إليه بشكلٍ عام ولا يهتم بتفاصيله والجماليات التي هي أعمق من قبة ذهبية وقبة فضية".

وتابع: "في بعض الأحيان يخبرني أصدقائي بملاحظة أن في صوري شيئًا مختلفًا؛ رغم أننا التقطنا نفس الصور، وهذا يدفعني لأن أقول هل من مزيد، فمن الواجب علي ألا أحرم الناس من صوري، حيث لاحظتُ أنه من خلال الرسائل التي تصلني على حسابي أن الناس تعودوا على متابعة حسابي يوميا ليروا جديدي من الصور، مثلما يفعل البعض في قراءة الصحيفة صباحًا".

أدرّب وأتدرب

ومضى في حديثه: "تخصصي في الآثار جعلني أعرف الزوايا وطريقة البناء وهندسة المكان؛ ومن هنا بدأتُ أرسم صوري كيف ستكون قبل البدء بالتصوير، واستخدم طريقة "البانوراما" فتظهر الصورة كأنها تصوير دوراني يعطي بعدًا آخر للصورة".

ويطمح "عميرة" إلى كاتبة التاريخ في صورة "من خلال الوصول إلى جميع مدن وقرى فلسطين، لعمل أرشيفٍ كامل للقرى المهجرة والتي طُمسِت بعد أن صوَّرها قبل سنوات.

وعن مشاريعه القادمة، كشفَ أنه يعمل حاليًا على مشروع تصوير بالفيديو بأسلوبٍ جديد كصوت وصورة، ومقابلات، وغالبًا عليه عرض صور للأماكن الأثرية.

ماذا تعلم "عميرة" من جولاته في التصوير، أجاب: "ثقافة أن تمشي على قدميك في أي مكانٍ تعلم الكثير، حيث ترى الأماكن بعينٍ مختلفة من حيث التفاصيل، والاستمتاع بالمكان وصعوبته متعة أخرى تجعل هناك رابطًا بيني وبين المكان وهذا يعلمني".

وأضاف: "أنْ تزور المكان ويحدثك سكانه عن تاريخه في الماضي والحاضر، من شأنه أن يُعلم أكثر من أي كتاب تقرؤه أو تعلمته في المدرسة".

وأشار عميرة إلى أنه يواصل تعليم نفسه ذاتيًا من خلال قراءة الكتب من مواقع الإنترنت باللغة العربية والإنجليزية لعدم وجود كتب عن فن التصوير باللغة العربية، ويتابع المعارض والصور التي ينشرها المصورون الدوليون.

وشدد على أن التعليم الأكاديمي يسبق التطبيق والنزول إلى الميدان في التصوير، فالذي يكون لديه أساس أكاديمي يكون قادرًا على أن يطبق ويتعلم.

بعد الخبرة التي تجاوزت 18 عامًا في احتراف التصوير وتعلمه، اتخذ منذ أربع سنوات قرارًا بأنه حان الوقت لنقل خبراته في إعطاء المبتدئين وحتى المحترفين دورات في التصوير ثلاثة أيام في الأسبوع، وفي الثلاثة أيام الأخرى يلتحق بدورات أخرى متخصصة في التصوير؛ إذ لم ينقطع علمه رغم كل سنوات الخبرة الماضية.