إنك إذا رجعت إلى وثيقة طلب الاعتراف التي تقدمت بها ابن غوريون للبيت الأبيض عند قيام الدولة تجد أنها كانت تطلب من أميركا الاعتراف (بإسرائيل) دولة يهودية، وعندها اعترف البيت الأبيض بدولة (إسرائيل)، وتجاوز عن دولة يهودية. وإنك إذا رجعت لخطابات رابين عندما وقع على اتفاق أوسلو تجده يقول إنه فعل ذلك لإقامة دولة يهودية خالصة لليهود. وإذا راجعت عملية فك الارتباط مع غزة، التي قام بها شارون، تجد أنه كان يريد المحافظة على يهودية الدولة، وإذا راجعت موقف نتنياهو الرافض لاتفاقية أوسلو حين عرضت على الكنيست للإقرار تجد أنه رفضها، لأنه يرفض إقامة دولة فلسطينية، ويرفض اقتسام الأرض لأن الأرض في معتقده هي أرض يهودية محررة. وإنك إذا راجعت خطة ايغال ألون تجده قد أكد ضرورة ضم الأغوار، بحيث تكون هي حدود إسرائيل الشرقية مع الأردن.
هذه المراجعات ضرورية اليوم للتعرف على الموقف الإسرائيلي والصهيوني من صفقة القرن، حيث جاءت هذه الصفقة تلبي جميع المطالب التي طالبت بها (إسرائيل) منذ ابن غوريون، وحتى نتنياهو، ففيها اعتراف أميركي بيهودية دولة (إسرائيل)، مع اشتراط أميركي على الفلسطينيين بالاعتراف بيهودية الدولة، وفيها اعتراف سياسي بأن أرض الضفة والقدس هي أرض محررة، وأن من حق (إسرائيل) ضم الأغوار، وأجزاء كبيرة من منطقة (ج)، إضافة إلى ضم القدس وبقائها موحدة تحت السيادة الإسرائيلية.
كل ما طالبت به (إسرائيل) رؤساء أميركا تباعا منذ عهد ترومان إلى عهد ترامب، وتردد فيه رؤساء البيت الأبيض، حققه ترامب (لإسرائيل) بهذه الصفقة. الأمر الذي جعل نتنياهو وبقية قادة الأحزاب الإسرائيلية يوافقون على صفقة القرن، عدا بعض قادة المستوطنين من المتدينين الذي وافقوا على الصفقة بشكل عام، ورفضوا قيام دولة فلسطينية، أو قل رفضوا تسمية ما سيعطى للفلسطينيين دولة.
بناء على ما تقدم يمكن القول بأن كل الإسرائيليين، أو أغلبيتهم الغالبة توافق على الصفقة، وترى فيها فرصة نادرة لتحقيق الحلم الصهيوني الذي عاش مع هرتزل ومن جاؤوا بعده حتى تاريخه. بهذه الصفقة تكون (إسرائيل) قد بلغت غايتها الكبرى، ولم تعد تخشى موقفا دوليا رافضا لضمها للأراضي الفلسطينية، ولا تخشى موقفا عربيا رافضا، ولا موقفا فلسطينيا رافضا. (إسرائيل) اليوم لديها القوة، وتملك الأرض، ولديها أميركا بقوتها وتأثيرها العالمي. اليوم يقدم نتنياهو مبررا جيدا للعفو عمن قتل رابين، باعتبار أن رابين تعجل، وتجاوز، ولم يصبر حتى وصول ترامب؟!