يخفي استمرار القصف الإسرائيلي لمواقع في قطاع غزة ومعه استمرار إطلاق البالونات الناسفة من القطاع تجاه (إسرائيل) وما يتخلل ذلك من إطلاق بعض الصواريخ والهاونات خلفه أوضاعا معقدة داخل القطاع.
في ظل استمرار حالة الانقسام الفلسطيني وإعلان ترامب المشؤوم خطته الأخيرة التي تكرس الظلم والاحتلال الإسرائيلي وإصرار الاحتلال على المماطلة في تطبيق تفاهمات وقف اطلاق النار والتي تم انجازها بعد حرب 2104 رغم اقتراب موعد انتخابات الكنيست في 2/3/2020.
فهل ستقود هذه الاوضاع المعقّدة لجولة مواجهات جديدة هي الثالثة عشرة من نوعها ضد قطاع غزة أم ستنجح جهود الوساطة المصرية الأممية والقطرية في منع هذا التدهور؟
الوقائع تظهر مؤشرات متناقضة فمنها ما يشير الى احتمالات المواجهة ويتلخص في لقاء ثلاثة عناصر مهمة وحاسمة في آن واحد:
العنصر الأول: هو إصرار المقاومة في غزة على تحقيق أبسط حقوقها وعدم السماح لـ(إسرائيل) بالتهرب من التزاماتها في تخفيف الحصار عن قطاع غزة بحجة الانتخابات والمزايدات الداخلية في اسرائيل مهما كلف المقاومة ذلك من ثمن.
العنصر الثاني: فهو احتلال غاشم لا ييأس من المماطلة والكذب ويتذرع بمختلف الذرائع الوهمية ويراهن على الوقت لخضوع المقاومة في غزة له أو نجاحه في إذكاء نار الفتنة الداخلية، ويتوهم بأن سقف المقاومة في غزة محدود ولم تستطع تجازوه.
أما العنصر الثالث: فهو تراجع رغبة الوسطاء في التدخل، بل على العكس فهم يتعرضون على ما يبدو لضغوطات من بعض الجهات العربية والمستعدة لدفع ثمن تدمير غزة، وإعطاء الوعد الكاذب بإعادة إعمارها.
أما المؤشر الرابع: فهو عدم التزام بعض الأطراف والشخصيات في غزة بمواقف وتوجيهات غرفة العمليات المشتركة وإصرارها على العمل المنفرد والمعطل وغير المفيد.
في مقابل هذا، هناك مؤشرات على احتمال استمرار الوضع القائم تجاه غزة، أي تسهيلات ثم تضييقات مما يسمح باستمرار حالة التوتر المحدود والذي يعتقد نتنياهو أنها مفيدة له انتخابيا. من هذه المؤشرات:
أولا: موقف الجيش والدوائر الأمنية المؤيد بقوة لوقف حالة التوتر الحالي وإعطاء المزيد من التسهيلات لقطاع غزة على الرغم من استمرار وجود العقبات مثل عقبة الجنود والتبادل، وعقبة معارضة أبو مازن وبعض الجهات العربية للتقدم في مسار التهدئة مع غزة وموقف الجيش معلن وواضح ومكرر، وقد ظهر في الآونة الأخيرة على شكل تأكيد الاستخبارات المستمر بأن حماس لا زالت ورغم التوتر معنية بالتهدئة، وأنها تسمح بإطلاق البالونات لتحقيق مطالبها المشروعة في غزة.
المؤشر الثاني: فهو الفهم العميق والمتجذر في مؤسسات دولة الاحتلال بأن المواجهة الواسعة مع غزة لا تخدم مصالح دولة الاحتلال بشكل عام ولا نتنياهو قبل الانتخابات بشكل خاص، وان على الجيش والدولة التفرغ للمواجهة في الشمال ضد الخطر الأكبر وهو الخطر الإيراني، وهذا فهم لن يتغير وإن تغيرت نبرة التصريحات الإسرائيلية، كما أنه لن يتغير على الأرجح بسبب تحريض بعض الدول العربية على غزة ، فـ(إسرائيل) لم تضحي بجندي واحد من جنودها من أجل عيون هذا النظام أو ذاك، لكنها قد ترضيهم من خلال (بعض التوتر) أو (قليلاً من التضييق) وليس ذلك بدون ثمن، ولقاء نتنياهو مع البرهان في أوغندا مثال على ذلك.
ختاماً ومع أن التقدير السائد حتى الآن عدم رغبة الأطراف في جولة ثالثة إلا أن السلوك الإسرائيلي والعدوان تجاه غزة قد يدفع الأمور للتدهور والدخول في مواجهة جديدة.