نزح أكثر من نصف مليون شخص وفق الأمم المتحدة جراء التصعيد العسكري لقوات النظام وحليفتها روسيا في شمال غرب سوريا، في واحدة من أكبر موجات النزوح منذ بدء النزاع الذي يقترب من اتمام عامه التاسع.
ومنذ كانون الأول/ديسمبر، تصعّد قوات النظام بدعم روسي حملتها على مناطق في إدلب وجوارها، تؤوي أكثر من ثلاثة ملايين شخص نصفهم نازحون، وتسيطر عليها هيئة تحرير الشام (النصرة سابقاً) وحلفاؤها، وتنتشر فيها فصائل معارضة أقل نفوذاً.
وقال المتحدث الإقليمي باسم مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية التابع للأمم المتحدة (أوتشا) ديفيد سوانسون لوكالة الصحافة الفرنسية: "منذ الأول من كانون الأول/ديسمبر، نزح نحو 520 ألف شخص من منازلهم، ثمانون في المئة منهم نساء وأطفال".
وشاهد مراسلو وكالة الصحافة الفرنسية في الأيام الأخيرة قوافل من النازحين لدى مغادرتها مدناً وبلدات تتعرض للقصف أو تدور المعارك في محيطها باتجاه مناطق أكثر أمناً لا يشملها القصف.
وفي قرية حزانو الواقعة شمال مدينة إدلب، شاهد مراسل وكالة الصحافة الفرنسية اليوم الثلاثاء عشرات السيارات والشاحنات الصغيرة التي تقلّ نازحين مع مقتنياتهم من أوان منزلية وخزانات مياه وأدوات كهربائية وفرش وأغطية شتوية وحتى محاصيل زراعية وأخشاب.
وباتت بلدات عدة على وشك أن تصبح شبه خالية من السكان بعد فرار أهلها تحسباً من أن تصل العمليات العسكرية إليهم، مثل سرمين وبنش وتفتناز شمال وشمال غرب سراقب، المدينة التي تريد قوات النظام السيطرة عليها كونها تشكل نقطة التقاء بين طريقين دوليين استراتيجيين يربطان محافظات عدة.
نحو مناطق آمنة
توجّه النازحون وفق الأمم المتحدة بشكل خاص إلى مدن أو مخيمات للنازحين قرب الحدود التركية في شمال غرب إدلب، وانتقل عشرات الآلاف إلى مناطق عفرين وأعزاز في شمال محافظة حلب المجاورة، والتي تسيطر عليها فصائل سورية موالية لأنقرة.
وتعدّ موجة النزوح الأخيرة من بين الأكبر منذ اندلاع النزاع العام 2011. وهي وفق سوانسون "تفاقم الوضع الإنساني السيء أساساً على الأرض منذ نزوح أكثر من 400 ألف شخص منذ نهاية نيسان/أبريل حتى نهاية آب/أغسطس" جراء حملة عسكرية مماثلة لدمشق بدعم من موسكو في تلك الفترة.
واعتبرت جنيفير فينتون، المتحدثة باسم مبعوث الأمم المتحدة إلى سوريا غير بيدرسون، أن تداعيات التصعيد الأخير "مدمرة"، مشيرة إلى أن "الثمن الذي يدفعه المدنيون باهظ جداً".
كما قال متحدث آخر باسم أوتشا في جنيف ينس لاركي إن "العديد من النازحين غادروا ولا شيء معهم سوى ثيابهم"، مضيفاً "إنهم يحتاجون سريعاً إلى مأوى وغذاء ومياه وصرف صحي ودعم طبي، وتعليم، وأقله الحماية".
ومنذ سيطرة الفصائل الجهادية والمقاتلة على كامل المحافظة العام 2015، تصعّد قوات النظام بدعم روسي قصفها لإدلب أو تشنّ هجمات برية تحقق فيها تقدماً وتنتهي عادة بالتوصل الى اتفاقات هدنة ترعاها روسيا وتركيا، كان آخرها اتفاق جرى الإعلان عنه في التاسع من كانون الثاني/يناير لكنه لم يصمد سوى أيام.
وتمكّنت قوات النظام الأسبوع الماضي من السيطرة على مدينة معرة النعمان، ثاني أكبر مدن إدلب، بعدما باتت شبه خالية. وتخوض حالياً معارك عنيفة قرب مدينة سراقب التي فرغت أيضاً من سكانها.
وتدور معارك عنيفة الثلاثاء، وفق المرصد السوري لحقوق الإنسان، في محيط سراقب وفي ريفي حلب الجنوبي والغربي. وتتزامن مع غارات روسية وسورية كثيفة على المنطقة، كما تستهدف قرى في محيط مدينة إدلب، مركز المحافظة.
تصعيد تركي روسي
وباتت قوات النظام على بعد ثمانية كيلومترات جنوب شرق مدينة إدلب، بعدما حققت الإثنين تقدماً غرب سراقب.
وتُشكل سراقب نقطة التقاء بين طريق دولي، يُعرف باسم "أم فايف" ويربط مدينة حلب بدمشق ويعبر مدنا رئيسية عدة وصولاً إلى الحدود الجنوبية، وطريق ثان يُعرف باسم "أم فور"، ويربط محافظتي حلب وإدلب باللاذقية غرباً. وترغب دمشق باستعادة السيطرة على أجزاء من الطريقين خارج سيطرتها.
وشهد محيط سراقب ليل الأحد الإثنين تصعيداً غير مسبوق بين القوات السورية والتركية، التي أدخلت تعزيزات عسكرية كبرى في الأيام الأخيرة إلى إدلب.
وقال الرئيس التركي رجب طيب إردوغان "يسعى النظام إلى التقدم ميدانياً في إدلب عبر تشريد أشخاص أبرياء يتجهون نحو حدودنا. لن نعطي النظام فرصة للتقدم، لأن ذلك سيزيد من العبء علينا".
وأعلنت أنقرة الإثنين مقتل ستة من جنودها بالإضافة إلى ثلاثة مدنيين أتراك يعملون لصالحها، جراء قصف مدفعي لقوات النظام. وردّت أنقرة سريعاً عبر استهداف مواقع للجيش السوري في إدلب ومحيطها.
ولم تعلن دمشق عن خسائر في صفوف قواتها، فيما أفاد المرصد عن مقتل 13 عنصراً من قوات النظام، مشيراً إلى أن هذا التصعيد يُعد "المواجهة الأخطر" بين الطرفين منذ بدء التدخل التركي المباشر في سوريا في العام 2016.
وتسبب التصعيد منذ مطلع كانون الأول/ديسمبر بمقتل نحو 300 مدني، فيما أغلق 53 مرفقاً طبياً على الأقل أبوابه الشهر الماضي، وفق منظمة الصحة العالمية.
وبينما يقترب النزاع من اتمام عامه التاسع، باتت قوات النظام تسيطر على أكثر من سبعين في المئة من مساحة سوريا، كما تنتشر قواتها في مناطق سيطرة المقاتلين الأكراد في شمال شرق البلاد. وإثر تقدمها الأخير في إدلب ومحيطها، توشك ان تسيطر على نحو نصف مساحة المحافظة.