فلسطين أون لاين

صفقة القرن.. الفرص الضائعة والتهديدات

(8)

اتهم ترامب في أثناء إعلانه عن صفقة القرن الفلسطينيين بأنهم موصوفون بإضاعة الفرص التاريخية لخدمة أنفسهم وتحسين أحوالهم، لتمسكهم بالعداء (لإسرائيل)، وهذه الصفقة هي الفرصة الأخيرة لهم لإنشاء دولتهم التي يعترف بها العالم!

هل حقا أن الفلسطينيين أضاعوا فرصا تاريخية سابقة؟! وما هي هذه الفرص؟! وكيف ضاعت؟! ولماذا؟! وهل هذا مرض في التفكير الفلسطيني، وفشل في قراءة المستقبل؟! وهل يعد الرفض موقفا وطنيا أم فشلا في قراءة المستقبل، وفشلا في السياسة الواقعية؟!

إنك إذا استعرضت خطة صفقة القرن، وتفاصيلها، بعيدا عمن وضعها وفصلها، تجد أنها صممت على قاعدة إلزام الفلسطيني برفضها، وإن قبلها فهو يدخل إلى مسار مفاوضات طويل حول التفاصيل، مثيل للمفاوضات التي تلت اتفاقية أوسلو، وهو مسار ينتهي بالفشل وإضاعة الوقت، وتمكين (إسرائيل) مما تريده، دون مقاومة أو تكاليف ؟!

صفقة القرن ليست فرصة كما يراها كل الفلسطينيين مجتمعين، ولا تجتمع الأمة على خطأ وضلالة، هي فرصة (لنتنياهو، وإسرائيل)، وهي تهديد للفلسطينيين. وإن تحويل التهديد لفرصة لا يكون إلا بمقاومة التهديد ومواجهته.

إذا عدنا إلى الماضي القريب فإن أوسلو والمفاوضات لم تكن فرصة كما حسبها محمود عباس، لأنها انتهت إلى فشل كبير، وها هي خطة صفقة القرن تعلن انتهاء أوسلو، وتقدم نفسها بديلا عنها ، وعن قرارات الشرعية الدولية! إذا اتفاقية أوسلو التي احتفل بها عرفات وعباس لم تشكل أدنى فرصة تاريخية. وإن رفض الفصائل لها والتمرد عليها هو ما مثل فرصة حقيقية.

وإذا عدنا إلى قرار التقسيم في عام 1947م، فإنه في حينه كان تهديدا، ولم يكن فرصة تاريخية للشعب الفلسطيني، مع أنهم يحكمون عليه الآن بعد الهزائم المتكررة بأنه كان فرصة! وهذا حكم مضلل لأنه يوازن بينه وبين ما نحن عليه اليوم؟! ولو كان فرصة تاريخية في زمنه ما أجمعت قوى الشعب الفلسطيني، والدول العربية على رفضه في حينه، لأن قرار التقسيم كان يأخذ 50% من الأرض التي يملكها الفلسطينيون ويعطيها لليهود وهم أغراب على فلسطين؟!

لا توجد فرص ضائعة على المستوى التاريخي بحسب القراءة الموضوعية لتطور الصراع، ولكن يوجد قادة إسرائيليون عملوا لدولتهم بجد واجتهاد، وسابقوا الزمن لفرض الأمر الواقع، وإقامة دولة مسلحة تعتمد على حماية نفسها بنفسها، وقادة فلسطينيون وعرب فاسدون، لم يفعلوا شيئا عمليا جادا لتحرير فلسطين من الاحتلال الصهيوني. في الوقت الذي كانت فيه دولة (إسرائيل ) ناشئة وضعيفة، لم يتحرك قادة العرب لمواجهتها، وتركوها تنمو وتقوى تحت سمعهم وبصرهم ورعايتهم، بل ومنعوا العمل الفدائي الفلسطيني واعتقلوا رجاله، فأين الفرص التاريخية؟!

إن ما قاله ترامب، وما قاله غيره، عن مرض الفرص الضائعة، هو قول كاذب، ومفترى، والهدف منه خبيث، يقوم على الضغط على الفلسطيني لقبول صفقة القرن، تحت مسمى عقدة إضاعة الفرص؟! في حين لا فرص في الأصل. الفلسطينيون والعرب يجمعون على أن ما أعلن عنه ترامب ليس فرصة للفلسطينيين، بل فرصة جيدة للإسرائيليين والمستوطنين. وهذا الإجماع كان موجودا في مواجهة قرار التقسيم، وقريبا منه في مواجهة أوسلو الكارثة؟!

لم يكن رفض الفلسطينيين لقرار التقسيم، واتفاق أوسلو، وصفقة القرن خطأ، بل كان الخطأ في فشل الحركة الوطنية والعربية في تقديم برنامج وطني عربي قابل للتنفيذ يعمل على إفشال التقسيم وأوسلو، وقد يتكرر هذا الفشل مع صفقة القرن، وعليه فالعيب فينا وفي فعلنا، لا في وجوب رفض ما يضرنا، ويضيّع حقوقنا؟! إن الخروج من عقدة ما تسمى الفرص الضائعة، والرفض العدمي، يكون ببرنامج وطني شامل وجامع يمنع ( إسرائيل ) من تطبيق ما يخصها من صفقة القرن على أراضي الضفة الغربية. والآلية التي تحدث عنها عباس في صورة حراك سياسي، ودبلوماسي لا تحقق هذا المنع، وعليه إما أن يقبل برؤية وطنية فاعلة وجامعة، أو يستقيل بعد هذا الفشل الواسع والعميق لمشروعه، الذي ولد مشوّها في أوسلو!