إحدى ليالي هذا الأسبوع كانت ثقيلة على كل حر في العالم، وعلى الشعب الفلسطيني تحديدًا، ليلة أعلنت (إسرائيل) عما سميت "صفقة القرن"، وأقول أعلنت (إسرائيل) لأنه كان واضحًا أن الصفقة إسرائيلية لكن المعلن أمريكي، وهو الرئيس دونالد ترمب.
لن أخوض في السياسة هنا؛ فليس مقالي ميدانها، لكنني -وكما كثيرون- تألمتُ جدًا من مشهد المحتفلين في واشنطن تلك الليلة، تألمتُ من ضحكاتهم وغمزاتهم، تألمتُ مكرهم وكلماتهم الملغومة، وتألمتُ أكثر من مشاركة بلدانٍ عربية في حفل لبيع فلسطين.
سألني أحدُهم وقتها، لمَ أنت متألم إلى هذا الحد، فما يقولونه معروفٌ مسبّقًا، كما أن خطتهم ولدت ميتة، ولن تمر بإذن الله؟ فقلتُ: إن ما يؤلمني ليس ما كشفوا فهو استنساخ لخطط قديمة فشل منفذوها، وما قيل كذلك نراه بأم أعيننا على الأرض منذ شهور، كما أنه لا يؤلمني تنفيذ هذه الخطة، فالله لن يتركنا وحدنا، وكما فشلت خطط سابقة ستفشل هذه ولن تمر.
لكن ما آلمني هو أن ترى حِفنة من المرتزِقة يسطرون لنا حاضرنا، ويرسمون لأبنائنا مستقبلهم، كم هو مؤلم ومؤلم جدًا أن تكون الأعز والأقوى والأعلى، ثم تدور عليكَ الدائرة لتكون الأذل والأضعف والأدنى، من هو مؤلم ألا تملك من أمرك شيئًا، ولا تستشار في حياتك بخبر، كم هو مؤلم أن يجتمع مجرمو الحرب المدانون -لو حُوكموا- ليتهموك بالإرهاب والتطرف والعنف، كم هو مؤلم أن يصفق الحاضرون على بيع أرضكَ وعِرضك وما تملك، كم هو مؤلم أن تستشعر بحالة الضعف والهوان الجمعي الفلسطيني، والتي جعلتنا هوانًا على هؤلاء فاستخفوا بنا وعدّونا جزءًا من متاعٍ يضعه المتفقون حيث شاءوا، وفقط.
تألمتُ كثيرًا مما شاهدتُ، وبكيت، نعم بكيت، مع يقيني التام بأنهم إن مكروا "فالله خير الماكرين"، وأن الله ناصرنا ولو بعد حين، وأن الحق معنا رغم أنفوهم، لكنها فطرةُ الإنسان، ونزعة حب الوطن.