فلسطين أون لاين

صفقة القرن.. قراءة في المضامين

(4)

ذكرنا في المقال الثالث مضامين الصفقة كما جاءت في كلمتي نتنياهو وترامب، ونقارب الآن هذه المضامين بالتحليل والتعليق، وبيان ما بها من مفاهيم ومصطلحات تمثل رؤية نتنياهو واليمين للحل والتسوية، مع اختلاف بسيط مع رؤية المستوطنين المتدينين.

الموقف الأمريكي من تنفيذ الصفقة بعد الإعلان يتكون من شقين؛ الأول (لإسرائيل) وهو يعطيها ما تريد دون مفاوضات مع الفلسطينيين، ويعطيها دعما أمريكيا لإجراءات التنفيذ. والشق الثاني للفلسطينيين، ويطلب من السلطة الموافقة على الصفقة، ثم الدخول في مفاوضات مباشرة مع (إسرائيل) للتنفيذ. هذا ويمكن (لإسرائيل) أن تنفذ ما لها في الصفقة، في حال عدم موافقة السلطة عليها، ورفضها الدخول في مفاوضات، ولا خشية على (إسرائيل) من الانتقادات الدولية، ولا من مجلس الأمن، حيث ستتكفل أمريكا بها.

ومن أخطار الصفقة الواضحة أنها تفرض نفسها مرجعية قانونية وسياسية لعمليات التفاوض القادمة، إن جاءت السلطة للمفاوضات، وتلغي قرارات الشرعية الدولية ذات الصلة في الشأن الفلسطيني، وتلغي من أوسلو ما تسمى مفاوضات الحل النهائي حول القضايا الكبرى (القدس واللاجئون، والحدود، وملكية الأرض، والدولة ذات السيادة) .

ومن الواضح أن الصفقة تفرض حلًّا للاجئين خارج دولة (إسرائيل) بزعمهم، وخارج دولة فلسطين المحتملة أيضا. أي تذهب الصفقة إلى فرض التوطين. والصفقة تدعو السلطة نفسها إلى نزع سلاح حماس والجهاد، وفصائل المقاومة في غزة، وتصف المقاومة بالإرهاب! وهذا يعني أن الصفقة تدعو إلى اقتتال فلسطيني داخلي في حال استجابة السلطة للصفقة والموافقة عليها.

الصفقة تقدم إغراء ماليا للسلطة وللفلسطينيين لشراء موافقتهم، وثمنا لأراضيهم ودولتهم، وهي في الشأن الفلسطيني تركز على الكرامة كمفهوم معنوي، وتقفز عن مفهوم الأرض والوطن والدولة ذات السيادة، وكأن هناك كرامة وطنية خارج حدود الوطن والأرض والسيادة!

ومن أخطر ما في الصفقة أنها صممت بشكل يلزم الفلسطينيين بالرفض، ويعطي الإسرائيليين كل ما يريدون دون مفاوضات، وتعطي المزايدين العرب وغيرهم فرصة لاتهام الفلسطينيين بإضاعة الفرص.

في السياسة يقولون إن الشيطان يكمن في التفاصيل، وهو في إعلان ترامب يكمن في الخطوط العامة أيضا، ما يعني أن شيطان التفاصيل من المردة العصاة، ويلاحظ أن ترامب اعتمد في كلمته الاختصار والإيجاز ولغة المناورة بنسبة معينة، في حين تولى نتنياهو وضع النقاط على الحروف، بلغة وبيان مكتوبين بعناية، وما لم يقله ترامب متعمدا قاله نتنياهو متعمدا أيضا.

وهكذا نحن أمام صفقة لرجلين متحابين، كل منهما في حاجة للآخر في الأيام القادمة، وقد استغلا القضية الفلسطينية لخدمة مصالحهما الشخصية أسوأ استغلال، في زمن عربي رديء، وقادة متفرجين على القدس كيف تذبح من الوريد إلى الوريد، ولا تحركهم نخوة، ولا تستفزهم شهامة الرجال!

ولن نفقد الأمل، رغم الطقس العربي والدولي الرديء، ونقول إن كل ما قالته الصفقة غير قانوني، ولا شرعي، ولا يملك ترامب مسوِّغًا قانونيا لقوله، وهو بإذن الله لن يمرّ، ولعله والأمل في الله أن يكون سببا في يقظة فلسطينية جديدة، وبداية لنهاية حتمية للاحتلال. (يتبع)