قبل نحو عام، اقتحمت قوة أمنية من جهاز الأمن الوقائي التابع للسلطة في الضفة منزل الطالب مؤمن نزال، معتدية عليه وعلى والده الذي أصبح ضريرًا، من حزنه الشديد على نجله، الذي كان سنده وفقده منذ 24 شباط (فبراير) 2019م، مغيبًا في سجون أمن السلطة؛ وفق ما تذكر عائلته.
ذاك البصر الذي فقده والده بنسبة عالية ذهب بعدما شاهد آثار "التعذيب والشبح والصعق بالكهرباء على جسد نجله مؤمن"، الذي حاول إخفاءها عنهم في إحدى زياراتهم إليه في سجن الأمن الوقائي المركزي بالضفة الغربية؛ وفق ما توضح والدته شريفة نزال.
وفي حديث إلى صحيفة "فلسطين" تؤكد نزال أن ابنها الطالب في كلية الهندسة طالته "انتهاكات قانونية عديدة، بدأت بالتعذيب جسديًّا في أثناء التحقيق، ولم تنته بكيل التهم المفبركة وتلفيقها له".
وتذكر الوالدة موقفًا حدث في أثناء زيارته بالسجن في الأشهر الأولى من اعتقاله، إذ إن نجلها استخفى بملابسه عنها وعن والده، كي لا يريا آثار التعذيب، التي بدت واضحة على وجهه كدمات تركت آثارًا باللون الأزرق تحت عينيه"، مشيرة إلى أن حياة أسرتها ونجلها أصبحت في "عالم المجهول".
ومنذ فصله الدراسي الأول في تخصص الهندسة الكهربائية تأخرت دراسته، وتغير مسار حياة أسرته التي أنهكها دفع "الكفالات" للإفراج عنه، دون تنفيذ حقيقي لقرارات المحاكم في الضفة أو وعود ضباط السلطة لذويه.
وتتساءل الأم وسط آلام أوجعت صدرها: "لماذا يخطفون مؤمن؟!، هو ليس تاجر مخدرات ولا متعاونًا مع الاحتلال ولا مسرب أراضٍ، ليش خاطفينه؟!"، مشيرة إلى أن نجلها حصد المرتبة الأولى بين أقرانه في دراسته الجامعية، وحقق معدلًا دراسيًّا 93.6% في الثانوية العامة.
إضراب عن الطعام
ورفضًا لاعتقاله السياسي، و"احتجاجًا على اعتقال شقيقه محمد الذي رافقه في الاعتقال شهرين متتاليين"؛ دشن الطالب المهندس إضرابًا مفتوحًا عن الطعام منذ اعتقاله من منزله، ليكون أمام مرحلة من التعذيب، و"الوعود" التي لم تنفذ وأجبرته على فك إضرابه عن الطعام.
وتبين الأم أن اعتقال شقيقه جاء لهدف "الضغط على مؤمن وابتزازه للاعتراف أو إثبات التهم الملفقة له"، وهي: "حيازة سلاح وتصنيعه وإثارة النعرات الطائفية"، وفق ما يوضحه المحامي مهند كراجة.
وخاض الطالب الإضراب عن الطعام أربع مرات، شاركته فيه أمه وشقيقته، احتجاجًا على "استمرار اعتقاله وإخضاعه للتحقيق القاسي والتعذيب على يد ضباط الأمن الوقائي"، وفق إفادة الوالدة التي تشكو أن صحتها وصحة نجلها دخلتا مرحلة "الخطر والمجهول وسط تجاهل الوقائي".
وتقول نزال: "نجلي مؤمن صعق كهربائيًّا في أثناء اعتقاله بسجن الأمن الوقائي المركزي في مدينة قلقيلية ست مرات"، مؤكدة تدهور حالته الصحية بين مدة وأخرى دون اهتمام من أمن السلطة.
وتتابع: "كانت أطول مدة إضراب عن الطعام خاضها مؤمن وصلت إلى 21 يومًا، ثم تلاها إضرابات تراوحت بين أسبوعين وعدة أيام".
وتكثّف الأم من تضامنها اليومي مع نجلها مؤمن عبر حسابها في موقع (فيس بوك)، مذكرة الجمهور والمؤسسات الحقوقية بحالتها وحال نجلها الذي غيبه جهاز الأمن الوقائي عن مقاعد دراسته.
وتقول في منشور لها: "330 يومًا ومؤمن بعيد عنا، بتعرفوا مؤمن وين؟!، مؤمن مختطف في سجون سلطتنا الفلسطينية هيك بسموها، 330 يومًا مؤمن مخطوف بلا ذنب اقترفه بحقكم، يا ظلمة".
وتعاني الأسرة تجديد التهم لنجلها مؤمن، مع كل قرار إفراج عنه تتخذه المحكمة، أمام دفعها كفالات مالية عديدة للإفراج عنه، دون تنفيذ لتلك القرارات، إذ دفعت الأسرة أكثر من 200 دينار كفالة مقابل الإفراج.
وفي تموز (يوليو) الماضي، لم ينفذ أمن السلطة قرارًا بالإفراج عن مؤمن وأبقاه معتقلًا موجهًا له تهمًا جديدة، وفق إفادة المحامي مهند كراجة، الذي يقول: "محاكمة الطالب نزال على خلفيات سياسية، ولنشاطه عبر مواقع التواصل الاجتماعي".
ويضيف كراجة الذي يرأس فريق "محامون من أجل العدالة": "تمديد اعتقاله دوريًّا ليس مسوَّغًا".
ويختم: "إفادات مؤمن في التحقيق لم تتجاوز الصفحة الواحدة، والتحقيق معه انتهى ولا مسوِّغ لتوقيفه، ولا يوجد أي إجراء تحقيقي رغم إعطاء النيابة العامة فرصة لإجراء ذلك ولم يحصل ذلك".