ما نُشِر عن صفقة القرن لا يعجب سياسيًا فلسطينيًا واحدًا، ولا يُرضي عابر سبيل، فالقاصي والداني من التنظيمات الفلسطينية يقف ضد صفقة القرن التي تقوم على بسط النفوذ الإسرائيلي على الأرض الفلسطينية.
صفقة القرن مصلحة إسرائيلية عليا، وجاء توقيت نشر الصفقة قبل الانتخابات الإسرائيلية بشهر واحد انسجامًا مع مشروع ضم الأغوار، وقد صرح مسؤول أمريكي بأن البيت الأبيض يعارض ضم إسرائيل لأجزاء من الضفة الغربية، قبل نشر خطة السلام الأمريكية، وهذه حقيقة تؤكد أن العجلة الأمريكية في نشر الخطة قد جاءت لتساعد الكنيست الإسرائيلية في اتخاذ قرار ضم ما نسبته 30% من مساحة الضفة الغربية بضربة واحدة، على أن يجري التفاوض بين القيادة الفلسطينية والحكومة الإسرائيلية لمدة أربع سنوات على نسبة 30% من أرض الضفة الغربية التي تشكل الطرق الالتفافية والمرافق الحيوية للمستوطنات.
الإسرائيليون الذين اختلفوا فيما بينهم على موعد ضم غور الأردن، وترسيخه كحدود شرقية لإسرائيل -هل الضم قبل الانتخابات الإسرائيلية أم بعدها؟- الإسرائيليون متفقون فيما بينهم على أهمية صفقة القرن، لأنها تمثل وثيقة سياسية جديدة، ترضي اليمين الإسرائيلي، وتضاف إلى جملة الوثائق الدولية والعربية التي تعترف بالأطماع اليهودية، مثل وثيقة ضم القدس وضم الجولان، ووثيقة شطب قضية اللاجئين وترسيم الحدود، ووثيقة كامب ديفيد، واتفاقية أوسلو، ووادي عربة، ومبادرة السلام العربية، فكل ما سبق من وثائق جاءت لتضحي بالحقوق العربية، وتعترف بالأطماع الإسرائيلية.
صفقة القرن التي سيعلن عنها هذا الأسبوع تقدم للفلسطينيين دولة منزوعة السلاح على نسبة 80% من أراضي الضفة الغربية وغزة الحالية، والتي قد تتغير بعد أربع سنوات من المفاوضات، واشترطت الصفقة على الفلسطينيين الاعتراف بالقدس عاصمة موحدة لدولة إسرائيل، والاعتراف بيهودية دولة إسرائيل، وتجريد المقاومة في غزة من سلاحها، مع عدم إخلاء أي مستوطنة أقيمت على أرض الضفة الغربية، لتكون الدولة الفلسطينية ضمن هذه الشروط الأمريكية أكذوبة، ومدخلًا للسيطرة الإسرائيلية السلسة على الأرض والعرض والمقدسات.
فما حاجة الفلسطينيين إلى دولة مستقلة بعد فقدانهم الأرض؟ وكم مرة سيدفع الفلسطينيون ثمن دولة موعودة بعد أربع سنوات من التفاوض الضار؟ وهل صار شعار الدولة الفلسطينية المستقلة مصيدة العسل التي يغرق في لجتها الفلسطينيون؟
أمام الأطماع الإسرائيلية والشروط الأمريكية التعجيزية، لا مناص للفلسطينيين من إسقاط شعار الدولة المستقلة، وليرفعوا بدلًا من ذلك شعار تحرير الوطن فلسطين، وتحرير الأرض من المحتلين، فتحرير الأرض أهم ألف مرة من تحرير الشعارات، وهذا لن يتحقق دون عقد الإطار القيادي لمنظمة التحرير، ليكون الرد الفلسطيني على صفق القرن وطنيًا شاملًا، وليس فرديًا أو تنظيميًا أو جغرافيًا ضيقًا.
وفي إطار الرد يبرز دور الأردن العربي، صاحب الولاية على الضفة الغربية قبل الاحتلال الإسرائيلي لها، فالأردن لم يحتل الضفة الغربية كما ادعى ديفيد فريدمان السفير الأمريكي في إسرائيل، وللأردن كل الحق في المطالبة باسترداد الأرض المحتلة، وعلى الأردن العربي أن يتحمل المسؤولية كاملة في هذا الشأن، فالشعب العربي الفلسطيني بحاجة إلى وطن أكثر من حاجته إلى دولة، والفلسطينيون بحاجة إلى الأرض أكثر من حاجتهم إلى هوية، وهم بحاجة إلى منظومة سياسية سيادية أكثر من حاجتهم إلى مسميات رئيس دولة ورئيس وزراء بلا سلطة حقيقية على الأرض.
ملحوظة: حين دعا نائب الرئيس الأمريكي نتنياهو لزيارة واشنطن للاطلاع على "صفقة القرن"، قال له نتنياهو: عليك توجيه دعوة مماثلة لرئيس حزب المعارضة (كاحول لافان) لأنَّ الحديث يدور عن قضيّة وطنيّةٍ من الدرجة الأولى!